- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تجربة مشروع التغذية المدرسية في محافظة كربلاء خلال سبعينات القرن الماضي
بقلم:عبد الرزاق عبد الكريم
صمون، بيض، قطعة جبن، كوب حليب، حبة زيت كبد الحوت
كان الطلاب في المدارس الابتدائية وفي حدود الساعة العاشرة يخرجون من الصف والى ساحة المدرسة، وكل واحد منه يحمل كوبه والذي جلبه معه من البيت ويجلسون بجوار الجدار والأكواب في ايديهم ويأتي الفراش وبيده (الكتلي) الكبير والمملوء بالشاي مع الحليب والمحلى بالسكر ويملئ الكوب بالشاي ويأتي بعده الفراش الثاني ومعه حبوب زيت كبد الحوت (حبة دهن السمج) ويعطي كل طالب منهم حبة واحدة.
الكثير من التلاميذ يذهبون الى مدارسهم دون وجبتهم الغذائية لضيق ذات اليد مما أدى لتردي أوضاعهم الصحية أو عدم التركيز في دروسهم، حالات كثيرة تم رصدها في عدد من المدارس، الجميع معنيون بأهمية التغذية المدرسية، لاسيما للأطفال كونها تمدهم بالطاقة وتقيهم الامراض.
خبير تغذية يقول: «لوجبة الفطور اهمية كبيرة لاسيما للأطفال، فموعدها يحين بعد وقت طويل من وجبة العشاء، هذا وان الفطور الجيد يساعد الانسان عموما على العمل بنشاط كما انه يساعد اجهزة الجسم على العمل بطريقة سليمة، وتؤكد البحوث ان عدم تناول التلاميذ وجبة الافطار يصاحبه تدني في تحصيلهم الدراسي، ويشدد الخبراء المعنيون: على اهمية الفطور الصباحي كونه يحتوي ما بين ربع ونصف ما يحتويه الهرم الغذائي كما انه يؤثر ايجابا في الوجبات اللاحقة، فيحول دون تناول وجبة الغداء بشراهة.
وفيما يخص التغذية المدرسية ان سلامة التغذية تتطلب الانتباه الى مسائل مهمة ففي مراحل الطفولة والفتوة، يبدأ نمو العظام، الذي يمكن ان يتأثر إلى حد كبير بالتوازن الغذائي في هذه المرحلة وفي هذا المجال يفترض بالتغذية السليمة التي تتضمن شرب كوبين من الحليب يوميا اما المشروبات الغازية التي ينجذب إليها الكثير من الاطفال فهي تعوق نمو العظام».
ان الاطعمة التي تباع في حوانيت المدارس تخضع للترويج التجاري القائم على جمال الشكل ولذة الطعم، بعيدا عن مفهوم التغذية السليمة، ولذا يجب على المدارس ان تسعى الى توفير العصائر النافعة والفطائر المحشوة بالألبان والاجبان والخضار ضمن التغذية المدرسية.
ولابد ان يكون لأولياء الامور دور في توعية اولادهم بضرورة تناول الطعام الصحي، وعدم اعتماد المصروف اليومي في تغذيتهم، فمن المؤكد سيلجؤون الى الشيبس والمشروبات الغازية او الوجبات السريعة المضرة بصحتهم.
خلال سبعينات القرن الماضي دأبت وزارة التربية في خطة تربوية جديدة في تعميم التعليم، على شمول بعض المدارس بمشروع الطعام والتغذية، لما في هذا المشروع من فوائد حيوية جمة، وبشكل يساعد الطلاب والتلاميذ على النمو، ويسهم في العملية التربوية التي تهدف القضاء على ظاهرة التسرب الخطرة، باعتباره حافزا ومشوقا من الناحيتين المادية والمعنوية، لشد الفقراء والمحتاجين منهم الى مدارسهم، هذا إضافة الى الارتفاع بالمستوى الذي يؤثر تأثيرا مباشرا في كسب المهارات والمستويات العلمية المطلوبة من أجل تحقيق هذا المشروع والأهداف المتوخاة منه.
وقد دلّت الإحصاءات والتقارير والكشوف السريرية الواردة من مديرية الصحة المدرسية في حينه على أن هذه الوجبات الغذائية التي كانت تقدم للطلاب في تلك الحقبة الزمنية أدّت وظيفتين مهمتين هما: تجهيز المقدار الكافي من السعرات الحرارية وتزويد الجسم بالعناصر الغذائية المهمة كالبروتين والفيتامينات وغير ذلك أما بالنسبة لمشروع الطعام الدولي، فقد بدأ بتنفيذه بعد اقراره، من قبل لجان مختصة قامت بدراسته دراسة وافية من كافة النواحي والوجوه، وهو جزء من مساهمة العراق ببرنامج الاطعام الدولي التابع للأمم المتحدة، والمواد الغذائية التي تقدم ضمن هذا المشروع هي: (الطحين، الرز، السكر، الدهن النباتي، الفاصوليا البيضاء الجافة، اللحم المعلب، الجبن المعلب، السمك المعلب، الحليب المجفف، وما الى غير ذلك من المواد الغذائية التي لم يكن الطلاب يتناولونها في حياتهم اليومية.
(برنامج الطعام الدولي هو احدى المنظمات المنبثقة عن الأمم المتحدة سنة 1962م، يشرف عليها مجلس إدارة مكون من 24دولة ويقدم العراق تبرعات عينية من المواد الغذائية إضافة للتبرعات من الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة الى الدول النامية كمعونات للمشاريع الإنمائية).
وعن تنفيذ البرنامج في محافظة كربلاء يحدثنا الأستاذ أياد نظمي الخزرجي أحد المسؤولين الرئيسين عن البرنامج في محافظة كربلاء في حينه قائلا:
أدخل مشروع برنامج الطعام الدولي في مدارس محافظة كربلاء بتاريخ 1/10/1970م، وأخذ في التوسع عاما بعد عام الى أن وصل الى خط بياني بدرجة يفتخر بها بعد نجاحه نجاحا تاما منقطع النظير، بلغ عدد الطلبة المشمولين بالبرنامج للسنة الدراسية 973/1974م، (1532) طالبا موزعين في مدارس مختلفة من المحافظة وهي: اعدادية صناعة النجف، اعدادية زراعة كربلاء، مدرسة الفنون البيتية، والأقسام الداخلية التابعة لها، وكذلك أربع مدارس قروية متوسطة هي: متوسطة فتح ومتوسطة الوند في ناحية الحسينية ومتوسطة عين التمر في عين التمر ومتوسطة الفدائي في ناحية العباسية، إضافة الى ستة مراكز للتربية الأساسية في الكوفة وثمانية مراكز في كربلاء ومركز واحد في خان الحماد.
أما التغذية المدرسية فإنه مشروع متمم لمشروع برنامج الطعام الدولي وهو يختلف عنه في نوعية الأغذية ونوعية المدارس، أما الأهداف المتوخاة من هذا المشروع هي: الحد من ضعف الأجسام التي يعاني منه التلاميذ، خلق إمكانية عقلية وجسمية تؤهل التلاميذ لاستيعاب المواد الدراسية التي تقدم لهم، خلق الرغبة والشعور لدى المواطنين من أن المدرسة هي مجتمع كامل يأخذ على عاتقه اعداد الجيل للحياة، وتشجيع أولياء أمور التلاميذ بإدخال أطفالهم الى المدارس لتوفر وجبة غذائية كاملة مجانية.
أما المواد الغذائية الذي يقدمها هذا المشروع لتلاميذ المدارس تتألف من: نصف صمونة لكل تلميذ يوميا، الحليب المطعم بمعدل نصف قنينة حجم ربع لتر لكل تلميذ، الفاكهة بمعدل 16 فلسا لكل تلميذ في اليوم ثلاث مرات في الأسبوع (كان سعر صرف الدولار الواحد في حينه 310فلس)، الجبن بمعدل قطعة واحدة في اليوم ثلاث مرات في الأسبوع، البيض بمعدل بيضة واحدة في اليوم ثلاث مرات في الأسبوع، التمر بمعدل نصف مكعب في اليوم ثلاث مرات في الأسبوع.
تبدأ التغذية عادة في بداية تشرين الأول وتنتهي في 10 مايس من كل عام، وهي تشمل المدارس الابتدائية التي تقع في المناطق القروية الفقيرة.
كانت المدارس المشمولة في محافظة كربلاء في السنة الدراسية 973/1974م، (28) مدرسة وبزيادة عشرة مدارس عن السنة التي قبلها.
المدارس التي كانت مشمولة: نينوى، المعالي، الكواكب، الحر، سومر، النور، الكمالية، الهادي، حطين، المحاسن، الرياحين، البراعم، حليمة السعدية، 14 تموز، الاخيضر، تبوك، الابتهاج، المرتضى، الرشاد، الاسالي، الكميلية، الاحساء، القيروان، الايثار، شط العرب، زنوبية، الثوار.
عدد تلاميذ هذه المدارس يبلغ (2000) تلميذ وهي الحصة المخصصة لمحافظة كربلاء، وتبلغ الكلفة السنوية لهذا المشروع (10) عشرة آلاف دينار.
ان تحسين نوعية الغذاء للطلبة ولا سيما في القرى والأرياف يخلق منهم أجساما صحيحة تقاوم المرض مما يؤدّي الى ازدياد حيويتهم ونشاطاتهم وفعالياتهم.
علما بأنه تم انشاء أبنية خاصة في المدارس للتغذية المدرسية شاخصة لغاية اليوم.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- كربلاء دولة الإنسانية والحسين عاصمتها