- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية العليا وظاهرة النزاعات العشائرية
بقلم: حسين فرحان
لايوجد على وجه الأرض إنسان غير مرتبط بعشيرة فالعشيرة بعنوانها العام هي رجوع الشخص الى نسب معين من أنساب الآدميين فهي سلسلة متصلة من الآباء تنتهي إلى آدم دون شك أو مراء، وبعض الأقوام تعتني بحفظ هذه الأنساب وتضعها في مشجرات وتدونها في وثائق، فيما يعرف بعلم الأنساب الذي قال عنه أمير المؤمنين عليه السلام (هو علم لاينفع من علمه ولايضر من جهله)، ليتضح أن دواعي وضرورات هذا العلم تحددها رغبات من أراد تعلمه والخوض فيه أو من أراد تركه وإهماله دون ضرر في ذلك.
قضية الأنتساب لعائلة معينة متسلسة أمر مفروغ منه وهي قضية واقعية سواء علم الناس بمسمياتها وتسلسل الاسماء فيها أم جهلوه لأنها وكما عبر عنها القرآن الكريم:
{ ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}.
فالتسلسل النسبي هو حال البشرية في كل بقاع الارض يشترك فيه الجميع ولكن الاهتمام به وحفظه يختلف من مجتمع لآخر، فبعض المجتمعات توليه جانبا من الاهتمام قد لاتجده لدى مجتمعات أخرى.
البعض يرى معرفة الانتساب ضرورة والبعض الآخر يعيش ويموت دون أن يرى له ضرورة وقد يكتفي بمعرفة جيلين أو ثلاثة من أسلافه وهذه المعرفة البسيطة للبعض غير مذمومة ولم تخرج أحدا من ملته أو تكون عارا عليه فالعلم بها لاينفع والجهل بها لايضر.
لننطلق الآن في مضمار آخر يوازي في مساره قضية العشيرة والانتساب إليها إنه مضمار العشائرية التي تشكلت بعصبيتها وآثامها وفواحشها وقوانينها منذ عشرات القرون وتلاشت بتلاشي الاهتمام بالقبلية لدى الكثير من الشعوب وظلت لصيقة بالبعض منها حتى زماننا هذا.
ومن البلدان السيئة الحظ في هذا المجال (العراق) فهو بلد عرف بعشائره التي تعتز بانتماءاتها لكن هذه العشائر ماتزال متمسكة بعشائريتها وقوانينها (السناين) فرغم وجود الاحكام الشرعية التي لم تترك مسألة دون جواب ببركة وجود مراجع التقليد ورغم وجود قوانين مدنية يمكن اللجوء اليها الا أن (العشائرية) طغت وخصوصا في السنوات العشر الأخيرة وبشكل يستدعي التوقف والتأمل في هذه الظاهرة المقيتة التي استنكرها العقلاء وتعارضت ممارساتها مع كل القيم الدينية والاخلاقية، حتى عدتها المرجعية الدينية العليا في أحد خطبها بأنها (عصبية جاهلية).
المرجعية الدينية التي بح صوتها في مخاطبتها للمسؤولين الفاسدين طيلة السنوات الماضية قد بح صوتها أيضا في مخاطبة العشائر ومنهجها العشائري الجاهلي المريض، وكم من خطبة تناولت فيه هذا الموضوع وادانت واستنكرت لما شهده المجتمع من مظاهر للقتل والتشريد والرعب والمخالفة للدين والقيم الانسانية.
ففي ٦/٥/٢٠١٥ تناولت في خطبة لها موضوع الفصلية: (المرجعية العلیا تدعو لتطويق النزاعات العشائرية وتستنكر "الفصلية").
وفي خطبة ١/١/٢٠١٦ "نجدد ادانتنا واستنكارنا لهذه الممارسات المخالفة لجميع التعاليم الشرعية والوطنية والاخلاقية".
وأكدت على "حرمة كل عمليات القتل والترحيل القسري ونحوها"، داعيا القوات الامنية الى "مسك زمام الامور وتمنع كل ما يخل بأمن واستقرار المواطنين".
وفي معرض انتقادها وإدانتها لبعض الظواهر السيئة في المجتمع ذكرت المرجعية في خطبة ١٢/١٠/٢٠١٨ ما نصه: (والاعتداء بالقتل والتهجير بين أبناء العشائر لأسبابٍ تافهة).
كما انتقدت في خطبة أخرى النزاعات العشائرية المسلحة (فاعتبرت ذلك دليل على ضعف الوعي الاخلاقي والديني، ودعت الاجهزة الامنية الى اتخاذ موقف "حازم" تجاهها).
وعندما تتحدث المرجعية الدينية العليا عن ظاهرة خطيرة تشكل تهديدا للسلم في هذا المجتمع وتنذر بكوارث وتعتبر ذلك ضعفا في الوعي الاخلاقي والديني وتستنكر الاعتداء بالقتل والتهجير وتعتبر اسبابها تافهة وتحرم عمليات القتل والترحيل القسري وتعتبر هذه الممارسات مخالفة لجميع التعاليم الشرعية والوطنية والاخلاقية وتدعو لتطويق النزاعات وتستنكر الفصلية وتؤكد مخالفتها للدين والقيم الانسانية.. دون أن نجد تغييرا ملموسا.. فماذا يعني هذا ؟
خطب المرجعية ومنذ سنوات تناولت هذه الظاهرة السيئة وعادت من جديد لتجعلها في مصاف الظواهر السيئة الاخرى في آخر خطبة لها في ١٢/١٠/٢٠١٨ لتبين أن بعض العشائر لم تتخلى عن عشائريتها حيث ماتزال مظاهر الجاهلية شاخصة وهي واقع نعيشه كل يوم نراه ونسمع به وفيه من التفاصيل ما يجعله واقعا مريرا ينبغي محاربته وتحشيد كل الطاقات للقضاء عليه وعلى سننه وأعرافه السيئة الصيت وإلا فلا يليق بنا السكوت عن إرهاب وتوحش وقتل مع أمن كبير من العقاب لأن العشيرة يمكنها أن تسدد قيمة الفصل ولديها من السلاح والرجال مايجعلها عشيرة مارقة عن الدين بأعرافها الجاهلية وأحكامها التي ماأنزل الله بها من سلطان حتى أنها هتكت حرمة راية العباس ع حين عقدتها أنامل المعاندين والجهلة على حكم جاهلي مريض يقضي بفصل يقدر بملايين الدنانير على قضية تافهة مثل مشاجرة وقعت بين صغيرين في الشارع أو عثرة تبعتها ضحكة أو أي سبب من الأسباب التافهة الأخرى - كما عبرت عنها المرجعية الدينية - وهي بحق أسباب تافهة يرى فيها البعض وجودهم فيستعرضون بحركات قردية وهوسات التفاخر الجاهلية أمام خصومهم فيما يسمى بعرفهم السخيف (الدكة) ويطلقون الرصاص الحي على جدران البيوت الآمنة وفي عنان السماء دون رادع من دين أوخلق او قانون لتقتل رصاصاتهم من تقتل من أبرياء وترعب من ترعب من أطفال ونساء وأيا كانت الاسباب فهي تافهة بتفاهتهم.
كم أنتم تافهون حين ترعبون الناس.. كم أنتم تافهون وأنتم تستعرضون بشباب ورجال لم يسجدوا لله يوما فلو سجدوا له يوما لما خالفوا دينا ولامذهبا ولا مرجعا.. يا عبيد الدنيا هذا من البلاء الذي محصتم به فقل فيه الديانون.
مابالكم أيها العشائريون وأنتم تنصبون سرادق الفصل وتأخذون الفرشة.. مابالكم حين تجلسون وتستمعون لآيات وأحاديث يتلوها على آذانكم الصماء جناب السيد الذي انتدبه خصومكم لتجهزوا فيما بعد على ماتلاه من آيات موعظة وتقتلوا كل مساعيه بحكم جاهلي مليوني أو فصلية أو تهجير من الدار وأنتم تحسبون أنكم تحسنون صنعا وما هي الا قسمة ضيزى تفتخرون بها وتؤمنون بالحظ والبخت أكثر من إيمانكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله فتعسا لكم وقد نعمت البدعة عندكم فصرتم تحتكمون الى جاهليتكم (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَىٰ).
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود