- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الصرخة الحسينية / الجزء التاسع
بقلم: عبود مزهر الكرخي
ونستكمل في جزئنا بطولة هذا الشاب والي لم يصل لنا منه الا الشيء اليسير بسبب التعتيم الاموي والعباسي والنواصب الموجودين في كل زمان ومكان ومحاولة التعتيم على فضائل اهل البيت وهذا الحقد على آل البيت هو حقد متوارث منذ عهد نبينا الأكرم محمد(ص) ليستمر هذا الحقد المتوارث والمجرم يتوارثه الأجيال جيلاً بعد آخر ومن هنا كان قمة هذا الحقد هو كان في واقعة الطف ليصطبغ هذا الحقد بالدم وقطع الرؤوس والقتل وبأبشع الطرق وحشية ومجرمة وليستمر هذا المسلسل الدموي ولحد وقتنا الحاضر في قطع الرؤوس والقتل وبكل همجية وباسم الدين وليكون مشفوعاً ومنذ ذلك الوقت بفتاوي تصدر من قبل وعاظ السلاطين ومن لحاس قصاع السلاطين والذي ظهر ذلك واضحاً بأن يتم سب الأمام علي(ع) وعلى المنابر وبأمر من معاوية(لعنه الله)ولمدة سبعين سنة والتي أصبحت عند كل خطبة ويطالب بها الرعاع الجهلة من المسلمين وبالتالي يتم استباحة دماء اهل البيت والموالين في كل بقاع الأرض وليتم ذبح الموالين في وقتنا الحاضر ليتم بعدها التكبير وإصدار الفتاوي من قبل شيوخ النفاق والجهلة السلفية بمحاربة الروافض واللعنة عليهم وقبل اليهود. وبدورنا نسأل هل هذا الدين المحمدي الذي أمر به نبي الرحمة محمد(ص) في استباحة دم المسلم؟ والذي في الحديث الشريف يقول{ لَزوال الدنيا أهون عند الله مِن قتل رَجل مُسلم }.(1)
ومن هنا فأن هؤلاء المجرمين موجودين منذ ذلك ولحد وقتنا الحاضر والتي اتخذت في وقتنا تسميات القاعدة والدواعش وبوكو حرام...وغيرها وهم ليسوا بمسلمين بل ويعبدون رباً غير رب الذي يعبده المسلمون وهو الرحمن الرحيم والذي رحمته وسعت كل شيء وربنا لا يأمر بالعنف والقتل واستباحة الأعراض وهتك الأعراض بل هو ربٌ عفو رؤوف رحيم وكذلك الرسول الأعظم الذي ارسله الله رحمة للعالمين وليس خاصة لطائفة او مذهب معين بل قال في
القرآن العظيم { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }.(2)أي لكل البشرية ومن بعده كان خلفاءه في الأرض وحجج الله هم أئمتنا المعصومين(سلام الله عليهم اجمعين) والذين لم تراعي أمة محمد ذرية أهل البيت بل عمدت الى قتلهم وذبحهم وسبي هذه الذرية وبكل خسة ووحشية واجرام وحتى لم يراعوا وصية نبيهم في أهل البيت وذريته عندما قال { ... وأني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني: أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فإنظروا بما تخلفوني فيهما }.(3)
للدلالة على عظمة منزلة اهل البيت وائمته الطاهرون.. ولنرجع الى موضوعنا واستعراض ماجرى للأمام علي الأكبر(ع) في ملحمة الطف الخالدة.
موقفه يوم العاشر:
روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته.
فتقدّم علي الأكبر (عليه السلام)، وكان على فرس له يدعى الجناح، فاستأذن أبَاه (عليه السلام) في القتال فأذن له، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه، وأرخَى عينيه، فَبَكى ثمّ قال: { اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشهيد عَليهم، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك }.(4)
تقدّم علي الأكبر(ع) نحو القوم فقاتل قتالاً شديداً وقتل جمعاً كثيراً بلغ المائة وعشرين، ثم رجع إلى أبيه وقال: "يا أبت العطش قد قتلني وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيل؟" فقال له الحسين: "قاتل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها".(5) ونقل ذلك السيد ابن طاووس باختلاف يسير(6). وبعد أن ودّع أبّاه عاد علي الأكبر مرّة ثانية الى المعركة وقاتل قتال الشجعان.(7) وكان إذا شدّ على الناس يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي***نحن وبيت الله أولى بالنبي...
ففعل ذلك مراراً وأهل الكوفة يتقون قتله.(7)
فشَدَّ علي الأكبر (عليه السلام) عليهم وهو بعد أن ردّ علي الأكبر على القوم أمانهم الذي عرضوه عليه شدّ عليهم وهو يرتجز، ويقول:
أنا علـــــي بن الحسين بن علي***نحن وربّ البيت أولـــــــى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي***أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي قرشي.(8)
ففعل ذلك مِراراً، فرآه منقذ العبدي(لعنه الله) وهو يشدُّ على الناس، فاعترضه وطعنه فصُرِع، واحتواه القوم فقطَّعوهُ بِسِيوفِهِم. لمّا بلغَت روحه التّراقي قال رافعاً صوتَهُ: "يا أبتاهُ هذا جَدّي رسول الله قد سَقاني بكأسه الأوفى شِرْبةً لا أظمأ بعدها أبداً وهو يقولُ العَجَل العَجَل فإنّ لك كأساً مذخورة، ثم فاضت روحه الطاهرة"(9).
فجاء الحسين (عليه السلام) حتّى وقف عليه، وقال: { قَتَلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُنَي، ما أجرأهُم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول }(10). وانهملت عيناه بالدموع، ثمّ قال (عليه السلام): { عَلى الدُّنيا بَعدَك العفا }. وقال لفتيانه: { احملُوا أخَاكُم }، فحملوه من مصرعه ذلك، ثمّ جاء به حتّى بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (11).
وذكرت بعض المصادر أن الإمام الحسين عليه السلام أخذ بكفه من دمه ولده ورمى به نحو السماء فلم يسقط منه قطرة(12). ونشير هنا انه لما رأى الإمام إصرار ولده الأكبر على القتال وتفانيه في محاربة القوم (13) صاح: "يابن سعد قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظني في رسول الله، وسلط عليك من يذبحك على فراشك"(14). وكانت هناك دعوة الامام الحسين على المجرمين من يزيد وازلامه ثم قال: "أللّهم امنعهم بركات الأرض، وفرقهم تفريقاً، ومزقهم تمزيقاً، وإجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا".(15) ثمّ رفع صوته وتلا: "إنّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وآلَ إبراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ على العالَمين * ذُريةً بَعضُها مِنْ بعض واللهُ سَميعٌ عليمٌ"(16).
وهذا يعني ان رب السماوات والملائكة وتقبلت هذا الدم الطاهر ومن هنا نورد هذا البحث المقتبس ومن بعض اطروحاته وهي تقول "ان الشعارات التي روجها العدو ضد الإمام الحسين عليه السلام وثورته الخالدة ولا زالت تروج من ان الإمام الحسين عليه السلام قتل بسيف جدة وانه خارج على امام زمانه وانه رمى بنفسه وعياله في التهلكة قد انهارت امام هذه الحادثة إذ لا يخفى على ذي لب أن الجهة التي تتقبل السماء منها الدماء هي الجهة المُحقَّة، ومن خالفها على باطل وضلال. ويؤيد ذلك قوله عز من قائل { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }(17).
أن الدم الطاهر كما هو عطاء لأهل الأرض إستمدت به رسالة السماء حيويتها وبقائها وإكتسبت به كربلاء قدسيتها حتى أصبحت مختلفاً للملائكة ومهبطاً للرحمة.
وأنه أراد الإمام عليه السلام برميه للدم الطاهر نحو السماء وقبول السماء لهذا الدم بيان قدسية وعظمة وأهمية هذه الدماء الزكية، وانها من الله وفي الله والى الله، فقد ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام المطلقة ص495 من كتاب مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي: (.... اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ، وَبَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّماواتُالسَّبْعُ وَالاْرَضُونَ السَّبْعُ وَما فيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنا وَما يُرى وَما لا يُرى....) وان خلود الدم دليل على هذه العظمة والقدسية وكذلك هو خلود للثورة الحسينية بمرور الزمن وتعاقب الأجيال، وينبغي أن نلتفت أيضاً الى أن قبول السماء للدم تعني أن كل دم يسفك في سبيل الله تعالى ورضاه إذا كان صاحبه ذا عقيدة صحيحة ونية خالصة فهو مقبول لدى الحق تعالى "(18).
شهادته:
استشهد علي الأكبر (عليه السلام) في العاشر من المحرّم 61 هـ بواقعة الطف في كربلاء، ودفن مع الشهداء ممّا يلي رجلي أبيه الحسين (عليه السلام).
هو أوّل شهيد– حسب بعض المصادر التاريخية- سقط من بني هاشم يوم عاشوراء.(19) وقد جاء في متن زيارة الشهداء المعروفة: السَّلامُ عليكَ يا أوّل قتيل مِن نَسل خَير سليل(20).
مدّة عمره :
19 سنة على رواية الشيخ المفيد، أو 25 سنة على رواية غيره، ويترجّح القول الثاني لما روي أنّ عمر الإمام زين العابدين (عليه السلام) يوم الطف كان ثلاثاً وعشرين سنة، وعلي الأكبر أكبر سنّاً منه (21).
والسلام عليك ياسيدي ومولاي علي الأكبر يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ رواه الترمذي سنن النسائي وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن البيهقي، وصححه الألباني.
2 ـ [الأنبياء: 107].
3 ـ سنن الدرامي - فضائل القرآن - فضل من قرأ القرآن - رقم الحديث: (3182). لشوكاني - نيل الأوطار - الجزء: (2) - رقم الصفحة: (328). علي بن الجعد - مسند إبن جعد - رقم الصفحة: (397). محمد بن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء: (2) - رقم الحديث: (194). والكثير من المصادر.
4 ـ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 2، ص 35.
5 ـ ابن طاووس، اللهوف، ص 49.
6ـ المقرم، مقتل الحسين، ج 2، ص 36.
7 ـ المفيد، الإرشاد، ص 459.
8 ـ المقرم، مقتل الحسين، ص 321.؛ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 106.
9 ـ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص 115.؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 49.؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 45، ص 44.
10 ـ تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) 1-6 مع الفهارس ج3. الجزء الثالث من سنة 36 هـ الى 90 هـ. دار الكتب العلمية.
11 ـ بن طاووس، اللهوف، ص 4.؛ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 106.؛ ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص247.؛ أبو مخنف، وقعة الطف، ص 278.؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 139.؛ المفيد، الإرشاد، ص 459.
12 ـ المقرم، مقتل الحسين(ع)، ص 272. كامل الزيارة لابن قولويه ص 222.
13 ـ ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص 68.
14 ـ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 2، ص 35.
15 ـ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 2، ص35.؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 139.
16 ـ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 2، ص 35.
17 ـ [ المائدة27 ].
18 ـ مقتطفات من طروحات البحث لمنتدى جامع الائمة الثقافي - من قسم: منبر مواساة الحسين عليه السلام فكرياً وثقافياً (بحوث حسينية). طروحات في رمزية دماء الطف.
19 ـ القمي، منتهى الآمال، ج 2، ص 867.
20 ـ الأصفهاني، مقاتل الطالبين، ص 86.
21ـ مقاتل الطالبيين: 76
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول