بقلم | مازن الزيدي
بالأمس، كتبت في هذا العمود محذرا من خطورة المعطيات التي تضمنها تقرير صحفي نشرته وكالة انباء معروفة نهاية الاسبوع الماضي. وللاسف فإن الردّ الوحيد واليتيم الذي اصدرته وزارة الخارجية العراقية لم يكن بمستوى خطورة وحساسية التقرير الذي اصرت الوكالة، حتى مع نشرها موقف الخارجية، على نسبته الى بعض مصادرها في المخابرات العراقية.
فقد اكتفت الخارجية بمداخلة للمتحدث باسمها على احدى المحطات السعودية. وأمام استغلال هذه القناة للتقرير ومعطياته الحساسة شرّ استغلال باتجاه التصعيد مع ايران والتحريض على بعض الاطراف السياسية العراقية منذ ايام، فإن المتحدث باسم خارجيتنا اكتفى بالاستغراب من معطيات التقرير، مؤكدا ان العراق غير ملزم بالردّ على تقارير "لا تمتلك ادلة ملموسة".
بهذه الجمل المقتضبة والمعلّبة التي تحدث بها المسؤول العراقي من على الشاشة السعودية، ارتضت خارجيتنا الردّ على تقرير الوكالة التي علقت عليه بالقول انه "لا يعني نفياً لفحوى التقرير"!
وبالاساس فإنّ الردّ على مضمون التقرير لا يقع ضمن او اختصاصات وزارة الخارجية، بل هو من اختصاصات المتحدث باسم الحكومة نظراً لطبيعة الموضوع الذي اثارت الوكالة.
فكان من المنتظر ان يخرج الردّ او النفي، وليس الاستغراب، من جهة المتحدث باسم المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء. أو على اقلّ التقادير ان يصدر الردّ من وزارة الداخلية باعتبارها المعنية بشكل مباشر بقضايا الامن داخل البلد. لكن للاسف وكعادتها في هكذا مواقف، خيّبت الحكومة الظن باصدار موقف حاسم وحازم من مضمون التقرير الذي يشوّه سمعة البلاد، ومن الجهة التي نشرته من دون التراجع عن فحواه او توضيح ملابساته، كما لم تصدر موقفا من المصادر العراقية التي تقف وراء تسريب معطياته.
ورغم عتب بعض الاصدقاء في جهاز المخابرات الوطني على مضمون المقال السالف، مؤكدين حصول لبس في الترجمة بين "المخابرات" و "الاستخبارات"، لكن الوكالة ذاتها عادت الى ادراج اسم المخابرات مرة اخرى. وهذا ما يبقي التساؤلات التي طرحت في المقال السابق معلّقة، لاسيما مع عدم تقديم الجهاز توضيحات مقنعة تبدّد المخاوف، وعدم وجود جهة اتصال او متحدث اعلامي له، سوى موقع الكتروني تعذر فتحه طيلة ساعات من المحاولات التي استعنت فيها باصدقاء من داخل البلاد وخارجها، لكنها كلها باءت بالفشل.
أتفهم انشغال الساسة بماراثون تشكيل الكتلة الاكبر والمشاورات المضنية التي يتطلبها تشكيل الحكومة. إلا ان ما لا يمكن تفهمه ان تهمل الجهات الامنية المعنية مثل هكذا تقارير تتحدث عن معلومات خطيرة جداً من شأنها ان تضع امن العراق واستقراره على كفّ عفريت. وتزداد المخاوف والمخاطر حدّة وشدّة عندما يكون من بين المصادر جهاتٌ عراقية، سواء من المخابرات او الاستخبارات، وهو ما يستدعي استنفاراً على اعلى المستويات وعدم الاكتفاء بالاستغراب او ترديد الجمل الجاهزة!
وفي ظل ردود خجولة لجهات رسمية، وصمت الجهات المعنية بالدفاع عن نفسها، فإنه لا يمكن، بعد ذلك، إلقاء اللوم على الاعلام المعادي للعراق باستغلال مثل هكذا تقارير لشنّ حملات تضليل لمهاجمة البلد والطعن بسيادته والتعامل معه كساحة لتصفية الخصومات الاقليمية.
كما لا يمكننا، وسط الصمت الحكومي، الدفاع عن الحملات الشعواء التي تشنها وسائل اعلام معروفة منذ 2003 ضد اجهزة الامن العراقية واتهامها بالخضوع لجهات اجنبية.
وبالتأكيد، لن يكون للعتب مكان فيما لو حاول صحفي مثلي فهم كيف تعمل مؤسسات الدولة وكيف تستجيب للتحديات التي تهدد مصائرنا بسبب الفساد والفشل ومنطق المحاباة.
اتمنى ان يحتذي رئيس الحكومة المقبلة بتجربة اقليم كردستان في تشكيل لجنة حكومية خاصة بالردّ على التقارير الدولية الخاصة بالعراق والتي عادة ما تعتمد على مصادر غير موثوقة.
أقرأ ايضاً
- إشكالية إعداد وتنفيذ البرامج والخطط والموازنات العامّة في العراق 2003-2023
- العراق والتغير المناخي .. تجفيف الأهوار إجراء تنفيذي لا علاقة له بالتغير المناخي - الجزء الرابع
- دوائر الدولة تتفنن في أذية مراجعيها ..دائرة التنفيذ العدلي في كربلاء انموذجا.