بقلم | مازن الزيدي
فاجأتنا وكالة رويترز بتقرير يتحدث عن مخطط تنفذه ايران لنقل تقنية صواريخ بالستية لمن تصفهم بـ"الجماعات الشيعية التي تقاتل بالنيابة عنها". في اشارة على الارجح الى فصائل بالحشد الشعبي.
الوكالة الاخبارية الاشهر والاعرق عالميا اعتمدت في "خبطتها الصحافية" على مصدرين استخباريين غربيين بالاضافة الى ثلاثة مصادر من الحرس الثوري الايراني، ومصدرين اخرين من المخابرات العراقية.
كل هذه المصادر، التي اشارت اليها الوكالة، تحدثت عن تفاصيل دقيقة لتحويل العراق الى منصة صواريخ ايرانية لمواجهة التهديدات الامريكية المحتملة في ظل تصاعد التوتر بين العدوين اللدودين.
وفي اشارة ذات مغزى يصرّح التقرير ان قواعد الصواريخ هذه، التي يشرف عليها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، تقع في جنوب وغرب العراق ويتراوح مداها بين 200كم و 700كم، وهي بالتالي تهدّد كلا من اسرائيل والسعودية.
ولا تكتفي المصادر التي تنقل عنها رويترز، لاسيما الغربية منها، بالحديث عن معلومات عامة حول البرنامج الصاروخي، بل تذهب ابعد من ذلك وتقوم بتحديد موقعين احدهما في حي الزعفرانية شرق بغداد وناحية جرف الصخر الواقعة شمال بابل.
لكن الاهم والاخطر والاكثر اثارة في التقرير هو ذلك الجزء الذي تكشفه المصادر العراقية، التي تقول رويترز انها مصادر من داخل جهاز المخابرات العراقي.
ولكي اعطي صورة واضحة عن خطورة التسريب او التصريح على امن العراق وعلاقاته الدولية، أنقل هنا في هذا العمود نصّ ما قاله المصدران العراقيان لوكالة رويترز:
"يقول المصدر بالمخابرات العراقية إن مصنع الزعفرانية أنتج رؤوسا حربية ومادة السيراميك المستخدمة في صنع قوالب الصواريخ في عهد الرئيس الراحل صدام حسين". وأضاف أن "جماعات شيعية محلية جددت نشاط المصنع عام 2016 بمساعدة إيرانية".
وتنقل الوكالة عن مسؤول ثان في المخابرات العراقية ايضا قوله "إن إيران تقوم بتخزين عدد من الصواريخ الباليستية في المناطق العراقية". ويتابع المصدر ذاته "إيران بالتأكيد ستستخدم الصواريخ التي أرسلتها إلى الميليشيات التي تساندها لغرض إرسال رسالة قوية لأعدائها في المنطقة وإلى الولايات المتحدة مفادها أنها تمتلك القدرة على استخدام الأراضي العراقية منصة إطلاق لصواريخها لتوجيه ضربة في الزمان والمكان الذي تختاره". انتهى الاقتباس.
واذا ما اردنا غضّ النظر عن توقيت نشر التقرير الذي يتزامن مع الضغوط الامريكية الواسعة لتحجيم الدور الايراني في العراق، من خلال تعزيز حظوظ العبادي في الولاية الثانية. واذا ما اردنا ايضا غضّ الطرف عن مصداقية هذه المعطيات التي ساقتها وكالة رويترز، والتي نشرت بالمناسبة تقارير سلبية اثناء حربنا على داعش بالاعتماد على مصادر معارضة للحكومة والقوات العراقية آنذاك، فإن مجرد نسبة هذه المعلومات الحساسة جدا الى جهاز المخابرات العراقي يشكل تهديداً خطيرا وغير مسبوق للامن القومي العراقي، ولا يندرج باي حال من الاحوال ضمن السبق الصحافي الذي يمكن تفهمه.
لأن نشر مثل هكذا تقارير من شأنها وضع العراق في مواجهة خطيرة ومباشرة مع اميركا والغرب وبعض دول الخليج في ازمة تشبه ازمة الصواريخ التي حدثت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، عندما قرر الاخير نشر صواريخ نووية بالستية في كوبا. ازمة كادت وقتها ان تشعل حربا نووية بين القطبين المتناحرين.
وبنشر هذا العمود في عدد يوم الاحد 2 ايلول، يكون قد مرّ على نشر التقرير أعلاه ثلاثة ايام من دون ان نقرأ اي توضيح من جهاز المخابرات، ولا نسمع اي تعليق من جهة رسمية عراقية لنفي او تأكيد ذلك.
ان نسبة هكذا معطيات خطيرة الى المخابرات العراقية لا تخلو من احتمالين، إمّا ان هكذا تصريحات تمت فبركتها على لسان مصادر يُزعم انتسابها لجهاز امني حساس. واما ان تسريب مثل هكذا تصريحات، حتى وان صحت فعلاَ، مصدرها خطوط خارجة عن السيطرة الرسمية داخل جهاز المخابرات، تتماهى مع التوجهات الامريكية في صراعاتها الاقليمية.فأمّا الاحتمال الاول، فإنه يستدعي نفيا واضحاً وصريحاً يصدره جهاز المخابرات. كما يستدعي ذلك، مساءلة وملاحقة مكتب رويترز في بغداد، واطلاع الرأي العام على نتائج ذلك.وأما بالنسبة للاحتمال الثاني، فإن رئاسة جهاز المخابرات مطالبة بضبط اعدادات الجهاز وفق المصلحة الوطنية، ومعالجة العناصر التي تعمل لمصالح اجنبية او تخضع لاجندات سياسية في ظل ازمات داخلية واقليمية متصاعدة.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!