بقلم | هشام الهاشمي
يُجمِعُ مؤازِرو ايران وتركيا في تحدي العقوبات الإقتصادية الإمريكية؛ أنَّ توقيتات العقوبات لن تتجاوَزُ إطارَ الإقتصاد مع إسناد اعلامي، وحراك دبلوماسي سري والذي يبقى طريقا ضيقاً للعودة الى الحوار العلني رغمَ حساسيّة المسألة بالنسبة لإدارة ترامب.
تكرِّس العقوبات الإقتصادية على إيران وتركيا العداوة الدينية وعلى الإسلام السياسي، وقد عرفها الإعلام التركي والايراني بأن هذه هي الحرب الباردة الغربية على الإسلام.
وعدم قبولَ الولايات المتَّحدة وحلفائها التكيّف مع مكانةِ الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وايضاً فرض الهيمنة الأميركية العلمانية على المِنطقة، وهو أن هذا التوجه مخطط له منذُ حرب الخليج عام 1980-1988، وأصبح واضحاً مع سياسة جورج بوش الطاغية بعد أحداثِ 11 سبتمبر.
العمق الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الإوسط يكمن بالمحافظة على حليفها إسرائيل ومصالحها الإقتصادية وتفكيك مراكز القوة في الجيوشِ العربية والإسلامية، من أفغانِستان إلى باكستان وإيران مُروراً بالعراق وسوريا ومصر وليبيا والجزائر لتفرضَ أخيراً؛ حكومات نيوإسلامية او حتى علمانية منسجمة مع استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، وتحكم مطلق بسوق النفط والطاقة والنقل البحري.
أضحى هذا الهدفُ قريبا لترامب لكنه معقدا وصعبا حتى يكون تحت المنال، الحرب الإقتصادية حربا بديلة بعد الفشلِ العسكري في العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا حيث يرتبِطُ بقاء شكل النظام الحاكم بحسب المعيار الامريكي بوجود قواعد ومعسكرات ومطارات للجيش الأميركي وهذا مكلف وفِي نفس الوقت يحفز الحركات الجهادية والمقاومة الإسلامية على الجهاد.
ولا أحد يهمل الاتجاه المعارض داخل امريكا الذي يرى ضرورة مغادرة الشرق “الشرق الجهادي”، بحكمِ الإنفاق الاقتصاديّ والعسكري الهائل وصناعة الكراهية الدينية والعنصرية تجاه صورة امريكا هناك وانعدامِ استمرار الربح على أرض الواقع، ويعكسُ تخبط ترامب كل هذه الخيبة.
الولايات المتحدة عليها القيام بتراجعات، بعد ما تقهقرت برامجها الخاصة بنشر الديمقراطية وفرض الأستقرار بضغط السلاح في العراق وأفغانستان، وهي تكرر سيّاستَها المُعتمِدةَ على نمطِ الحصار ثم تحفيز الثورات الداخلية ثم الاعتراف بشرعية البدائل الثورية غير المدروسة.
في حين أنَّ السعودية وتركيا وإيران ومصر هي على الأرجحِ الدول الأهم بعد إسرائيل بالنسبة لإستراتيجية الولايات المتحدة ولكنّها اعتمَدت سياسةً صريحةً وواضِحةً تتحدّى فيها شعوب تلك الدول الإسلامية وصناعة الفوضى في داخلها من دونِ مراجعة.
من هنا، باتَ الموضوعُ بالنسبة لإيران وتركيا هو التكيُّفُ مع تلك العقوبات الشديدة ومع الفوضى التي أخذت تترتب عليها داخليا وإقليميًّا، وذلك من خلالِ تطويرِ إجراءات اقتصادية أكثرَ حذاقةٍ تجاهَ التعامل الإقتصادي مع امريكا وحلفائها.
ليسَت طهران وأنقرة خصما سهلاً. قد تبادرُ قيادات هذه الدول إلى قراراتٍ أحاديّةٍ تستفز الولايات المتحدة وحلفائها، وهنا ثمة أوراق ضغط كثيرة منها العراق وسورية ولبنان واليمن وقطر والبحرين واختيار الانضمام الى مجموعة "بريكس" اقتصاديا.
وعندها تخسر الولايات المتحدة تركيا كحليف استراتيجي محوري في المِنطقة. فتركيا بلدٌ عضوٌ في حلفِ الشمال الأطلسي "الناتو"، جيشُه من أقوى جيوشِ الحلف بالاضافة الى القواعد العسكرية والدروع الصاروخية.. ذلك هو التعقيد الذي يخشى ترامب ان يتطور بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها. وتبقى هذه الفترة هي الفرصة الذهبية الصالحة لترحيل ايران من ملفات سورية واليمن والبحرين، وسيحتاج ترامب إلى صناعة أكثر من عدو وخصم للوصول إلى هدفه هذا.