د. غالب الدعمي
أسمع عن مليارات تمنحها المصارف العراقية لشخصيات وأصحاب مصالح، وأعرف اشخاصاً استلموا قروضاً تصل أقيامها إلى مليارات الدنانير، كما أعرف بعض الوزراء تجاوزوا كل التعليمات والقوانين والروتين وصرفوا سلف لمقاولين في اليوم نفسه الذي وقّعوا فيه عقودهم، وكان مسؤولو تلك الوزارات هم من تولى عملية التعقيب لإنجاز معاملاتهم، ومنهم أحد مقاولي السلطة الذي وقّع عقداً في الساعة الحادية عشرة صباحاً واستلم مئتي مليار دينار عراقي بعد ساعة واحدة من توقيع عقده، هذه المعلومة أعلنت في إحدى جلسات استجواب البرلمان العراقي، وغيره العشرات الذين منحوا مبالغ كبيرة تقدر بمليارات الدنانير وأسقطتها الحكومة السابقة كونها أموال ميتة في الموازنة العراقية ويصعب استرجاعها، وعلى سبيل المثال الأموال التي وزعت في برنامج المبادرة الزراعية بحدود ثلاثة مليارات دولار في يوم واحد وتم تحويلها الى الإردن مباشرة من دون (حساب أو كتاب) كما يقول المثل العراقي. وعلى طاولتي عشرات الحالات المماثلة التي تم فيها وتتم لغاية اليوم سرقة المال العام بحيل مكشوفة ومشخصة لكن من دون علاج.
وفي نهاية العام الماضي كنت في أمس الحاجة لإكمال جزء من بيتي بما يجعله صالحاً للسكن فقررت الاستعانة بمعارفي كوني عملت في الأجهزة الرقابية وقبلها عضواً في مجلس إحدى المحافظات ورئيس مجلس المدينة واحتفظ بعلاقات واسعة تبدأ من كبيرهم حتى مدير شرطتهم، فتوجهت لأول شخص الذي استطاع مشكوراً جلب موافقة لي من وزراة المالية بمبلغ عشرين مليون دينار عراقي بفوائد تبلغ ثمانية ملايين دينار تدفع مع الأقساط الشهرية لمدة خمس سنوات، ولأن الفوائد كبيرة قدمت طلباً لتخفيض مبلغ السلفة إلى عشرة ملايين على أن أدفع للمصرف أربعة عشر مليوناً في خمس سنوات مع الفوائد، وتوكلت على الله في إكمال متطلبات التقديم لها ومتابعة استلامها التي تبدأ بفتح حساب في المصرف الصناعي وإيداع مبلغ معين وإحضار كفيل وتقديم معاملة وتأييد مختار وتوقيع المجلس البلدي ومصادقتها مع صحة الصدور، وقد واجهت صعوبات كبيرة جداً جعلتني أطلب الاستغناء عنها في أكثر من مرة، إلا أن الموظفين والشهادة لله يرفضون ذلك ويعطوني جرعة أمل مع كل محاولة لي بتركها، كما قابلت المدير العام مرات عديدة، واتصلت به كثيراً كما هو اتصل بي، فضلاً عن الرسائل النصية المتكررة بيني وبينه، والزيارات إلى مكتبه الذي لا يرد أحداً وهو متاح للجميع، فلم يصادف أن رفض مقابلة شخص أو صدّ مراجعاً، كما أني لم أجد أحداً متقاعساً في عمله وابتسامات جميع الموظفين لا تفارق محياهم، لكنها التعليمات العجيبة والغريبة والتي تشدد على رقم الهوية وشهادة الجنسية واسم المختار في روتين قاتل، وتعليمات لم ينزل الله بها من سلطان، وفي أواخر الشهر السابع من هذا العام تمكنت من الحصول على هذا المبلغ لكي أسدده للمقاول. فتساءلت مع نفسي هل من المعقول وفي ضوء هذه التعليمات والروتين القاتل تحصل عمليات اختلاس وسرقات في المال العام ؟ وهل فعلاً يوجد شخص عمل عضواً في مجلس المحافظة ورئيساً لمجلس المدينة، ولم يكتمل بيته لحد الآن؟ أكيد أن القصة لا تصدق لأنها من قصص الخيال ولا يمكن لنا تصديقها، كما لا يمكن لنا أن نصدق أي صوت ينفي حصول عمليات فساد في عراق ما بعد الاحتلال، الحكاية ليست خاصة بكاتب المقال بل هي عامة وتشمل من يحترم المال العام ويتعامل على وفق الضوابط والأصول كما يقول السيد رئيس الوزراء في حكومة نوري السعيد وليس في حكومة المختار.