عباس الصباغ
لايجانب الحقيقة من يقول ان داعش كتنظيم عسكري قد انتهى ميدانيا بعد ان انكسرت شوكته في العراق وسوريا ولم يعد يتمتع بذات الفعالية والجهوزية العالية التي اهلته قبل حزيران 2014 الى اعلان "دولته" التي تباهى بها طويلا انها قابلة للتمدد، وبعد ان استطاع من احتلال حوالي نصف مساحة سوريا وثلث مساحة العراق وفي غضون اشهر معدودات وشكّل خلالها (الدولة الاسلامية في العراق والشام) ومايطلق عليه اختصارا بداعش ، وبعد ان تلقى دعما لوجستيا وماليا واعلاميا وفتوائيا وتجنيديا هائلا من مصادر اقليمية ودولية متعددة ومن حوالي مئة جنسية حول العالم تصب كلها في بؤرة دولة "الخلافة" التي كانت منطلقا استراتيجيا لعناصر هذا التنظيم الذي كان يرفع شعار (كسر الحدود) فيكون العالم اجمع مسرحا مفتوحا انطلاقا من الشرق الاوسط لتنفيذ استراتيجيته التي تعتمد على مبدأ تكفير الاخر تمهيدا لقتله واستباحة دمه وعرضه وارضه ومقدساته بتصنيفه إما بكونه "كافرا" او "مرتدا" وفي كلا الحالين مصيره الموت المحقق او مصادرة امواله وممتلكاته، وهذا ماحصل في المناطق التي استولى عليها داعش، وبعد ان قسّمت ايدلوجية داعش العالم الى قسمين الاول دار "الخلافة" والمقصود منه البلاد الخاضعة لسطوته، والثاني دار الحرب والمقصود منه تلك المناطق المؤهلة لشن اعماله الارهابية تلك التي يسميها بـ (الغزوات). وليس من الحصانة الامنية ولا من الحصافة السياسية اعتبار المعركة ضد تنظيم داعش قد وضعت اوزارها فالإرهاب في العراق لم ينته بتحرير المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة هذا التنظيم فحسب ، بل تحول من المواجهة العسكرية المباشرة إلى عمليات مسلحة تنفذها خلايا نائمة اعدت سلفا في مناطق متفرقة من البلاد لاسيما في المدن المحررة.
ونتيجة لانكسار تموضع داعش على يد قواتنا الامنية البطلة يحاول داعش ان يجرب حظه بعد خساراته الموجعة ويعيد ترتيب تكتيكاته وذلك بالاعتماد على خلاياه النائمة والجاهزة للاستيقاظ في اي وقت حيث تشير مراكز البحوث الاستراتيجية الى استمرار وجود الملاذات الامنة التي تحتضن افراد التنظيم في الاماكن التي تم تحريرها من قبل القوات الامنية ويجب على السلطات الامنية ضرورة مراجعة الخطط الامنية التي تم التوافق عليها بين القوات الامنية بشتى تشكيلاتها والادارات والمجالس المحلية في المدن المحررة بما يعزز الوضع الامني ويطمئن المواطنين بنجاح هذه الخطط.
وليس مستبعدا ان يعتمد داعش بعد اندحاره بشكل اساس على جهتين الاولى حواضنه التي اعدها سلفا، والثانية مايسمى بالذئاب المنفردة في الدول الاوربية والولايات المتحدة للاستمرار بنهجه التدميري الذي اختطه منذ بدايته المريبة وبالاعتماد على نصوص فقهية وتاريخية شاذة والذئاب المنفردة (Lone Wolves) وهم بشكل عام يصنفون على أنهم إرهابيون يقومون بأعمال إرهابية مفردة وفي مناطق لايستطيع داعش أن يصل اليها او يهاجمها كجيش أو مجاميع مسلحة بل يعتمد على أفراد مرتبطين به عقائديا وهم ـ أي الذئاب ـ عبارة عن خلايا نائمة لايتجاوز أعدادها عن عشرة أفراد او اقل ولايرتبطون ارتباطا هرميا مباشرا بداعش، كما يفعل المقاتلون في جبهات القتال حيث يتلقون الأوامر مباشرة من رؤسائهم و"الذئاب المنفردة" يكون عملها فرديا في الغالب بحسب التصنيف الأمني للإرهاب وتقوم الجهات الامنية والاستخبارية في تلك الدول بمكافحتهم وفق احدث الطرائق والاساليب الامنية كونها تشكل تهديدا مباشرا لامن مواطنيها بالدرجة الاساس ولأمنها القومي ايضا ..
وعراقيا لذا يجب اعادة تأهيل تلك الحواضن تأهيلا تربويا وسيكولوجيا جذريا لإرجاعهم الى الصف الوطني وليكونوا مواطنين صالحين أسوة بأقرانهم العراقيين الشرفاء واجتثاث الفكر الداعشي التكفيري من عقولهم وبدون هذا التأهيل والقضاء على الخلايا النائمة والعثورعليها في الوقت المناسب وببرامج سيكلوجية تهذيبية مهنية بالاستعانة بالدول التي مرت بتجارب مماثلة، سيبقى الخطر الداعشي يتغلغل في مدننا الآمنة حاصدا كل يوم مايشاء من ارواح المدنيين الابرياء، ويجب ان تلتفت الحكومة وتشرع بشكل سريع في التأسيس لاستراتيجية تتعامل على المدى الطويل مع حواضن الارهاب في المناطق المحررة على وفق مفهومين حيويين هما الاحتواء والتحصين ونقصد بهما الاصرار على تضييق الثغرات والمنافذ امام الارهاب وتحصين سكان هذه المدن والحيلولة دون استجابة المغرر بهم في الانضمام مجددا مع التنظيمات الارهابية في سبيل تجفيف المصادر التي يستقي منها داعش من يحقق له مآربه المريضة .