د.غالب الدعمي
عود البخور الهندي الذي وضع لتعطير الفضاء الذي خصص لخزن نتائج الأصابع البنفسجية، وتسبب بحرقها عقّد المشهد السياسي كثيراً، وأسهم في رفع وتيرة الاتهامات بين الفرقاء والأصدقاء، وكل فريق يقدّم تبريراته التي تنسجم مع رؤيته بشأن ملامح الجاني الحقيقي الذي أوقد عود البخور، فهناك من يقول: إن الفائزين هم الذين أحرقوها، ويقدمون جملة من التبريرات التي تدعم وجهة نظرهم، وهناك من يقول: إنهم الخاسرون لا غير، وعلى الرغم من حملة التشكيك هذه نلاحظ أن هناك رغبة كبيرة لدى الكتل الفائزة في المضي قدماً في تصديق النتائج وتشكيل الحكومة المقبلة، وعدم إيلاء أي اهتمام لما أقره البرلمان العراقي بشأن إعادة العد والفرز الذي وكما يبدو أنه ولد ميتاً في ظل فوز الكبار، فقائمة الفتح التي تسير بخطى واثقة غير مترددة في التعامل مع الشياطين والأتقياء على حد سواء، فقد التقى رئيسها بالسفير الأمريكي، كما التقى بخميس الخنجر داعم الإرهاب كما كان يشاع عنه، وعزز لقائه بزعيم سائرون، وهذا يكشف أنه لا صداقات دائمة بل مصالح دائمة ومغانم يبحث عنها الجميع، حراك قائمة الفتح أهّلَها لجمع سبعة وخمسين مقعداً بعد انضمام بعض نواب كربلاء وبابل والعمارة الى تحالفهم بشكل رسمي وانسحابهم من كتلهم، والفضيلة تلوح هي الأخرى بالانسحاب من قائمة النصر إذا تيقنت أن رئيسها (سيخرج من المولد بلا حمص)، الذي ترغب امريكا في بقائه وإن كانت تعتقد أنه ليس الأفضل لها، لكنه يمكن أن يكون سبباً في بروز شخصيات أخرى أكثر قبولاً منها، وإيران هي الأخرى لن ترفضه لكنها تسعى لطرح البديل الوطني عن طريق طرح فكرة أن يكون رئيس الوزراء من أبناء الداخل، ومن خارج حزب الدعوة تحديداً، وهي فكرة لاقت رواجاً كبيراً وقبولاً حتى من الذين يعتقدون بأن العبادي هو صمام وحدة العراق كونه يرتبط بعلاقات متميزة مع الغرب ولا يتقاطع مع إيران، فضلاً عن علاقاته المتميزة في المحيط العربي.
المؤشرات الحالية في فضاء التحالفات تُفصح عن عودة التحالف الوطني الشيعي تحت عنوان الفضاء العراقي عن طريق ضم كتل سنية وكردية وبرعاية إيرانية واضحة وقبول أمريكي بشريطة أن يحظى رئيس الوزراء المقبل بدعم التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. والسنة من جانبهم انقسموا على أنفسهم فبعضهم أعلن تأييده لقائمة الفتح، وبعضهم الآخر لم يزل يبحث عن موقع في الفضاء الوطني المعقد كي يستظلوا به لتحقيق مصالحهم.
في حين سيبقى تأثير الكرد موجوداً وفاعلاً لا سيما وأن لا حكومة ستشكل من دونهم، وإذا جازف الفضاء الوطني وأبعدهم من حكومته المقبلة، فإن عود البخور الذي تطاير بفعل الرياح، وأحرق صناديق الاقتراع سيحرق العبادي هذه المرة، ومنجزاته كلها التي حققها في المناطق المتنازع عليها، لاسيما أن زيارة مسعود البرزاني إلى البيشمركة في مواقعه المتقدمة يعطينا إشارةً ليست عابرة، وإنما مقصودة يساندها هذه المرة دعم أمريكي كبير في حال تشكيل حكومة لا تحظى بمباركتهم، وأن ما يشاع بترشيح الشكري أو بحر العلوم قد لا تعدو أكثر من بالونات اختبار وقد يفعلها شورى الدعوة هذه المرة ويدعم استقالة العبادي من حزبه إذا أيقن أن الفرقاء مصرون على خروج رئاسة الوزراء من حزبه، وأن العبادي سيحظى بولاية ثانية لو أعلن طلاقه من حزب الدعوة، فإني أرجح استقالته في آخر محاولة لحزب الدعوة بالتمسك بالسلطة.
سائرون وحزب الاستقامة تحديداً لا يدعم أي مرشح من نوابه الفائزين لعدم رغبته في التعامل المباشر مع الولايات المتحدة، لكن سيكون له دور كبير في تحديد ملامح رئيس الوزراء بمعنى أنه لن يمر أي مرشح لرئاسة الوزراء من دون إمضاء زعيم سائرون، الذي وكما عهدناه يصدق المواثيق وسريع النسيان ودائماً يفتح صفحة جديدة مع من لا يستحق ذلك، آملين أن لا يتعرض هذه المرة لطعنة في الظهر التي أرجح حصولها، لاسيما وأن زعيم القانون يرغب أن يتولى إبليس رئاسة الحكومة ولا يتولاها مرشح من سائرون أو العبادي.