تغلب العراق، على كل محاولات تدميره وتغييره ديموغرافيا على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، ببطولات سطرتها القوات العراقية على مدى السنوات الماضية، لتأتي مشكلة أخرى تهدد حياة العراقيين وتقتلهم عطشا، على يد تركيا وإيران.
يواجه نهر "دجلة" الذي ينبع من جبال طوروس، جنوب شرقي الأناضول في تركيا، ويدخل أراضي العراق عند بلدة فيشخابور، خطر الجفاف إثر سد أليسو التركي، بعد شهور قليلة من تنظيفه من الدماء والجثث التي طالما رماها "داعش" الإرهابي، بعد قتله المدنيين، في محافظات نينوى، وصلاح الدين، والأنبار، شمال وغربي البلاد.
تحدث الناشط البيئي في محافظة ميسان، أحمد صالح نعمة، لوكالة "سبوتنيك" الروسية، بالتفصيل عن أزمة المياه وعطش العراق وجفاف رافديه التاريخيين وأهواره التراثية، منبت قرطاسية السومريين.
ويقول نعمة، بداية، إن موضوع جفاف نهر دجلة، والأزمة التي اندلعت من تشغيل تركيا لسد أليسو، ليس جديدا لكن كون الآن المدة انتهت، ودائما ما كنا نصرح، وكذلك وزير الموارد المائية، حسن الجانبي، ونحذر من أننا سنصل لهذه المرحلة، لكن لم تكن هناك استجابة حكومية منذ عام 2006، كون الحكومة التركية أبلغت نظيرتها العراقية، أنها تعمل على بناء السد".
وأضاف نعمة، لكن تركيا حينها في السنة المذكور، وافقت على طلب من الحكومة العراقية، لتأجيل ملئ سد أليسو حتى حزيران 2018، والمهلة انتهت.
شحة دولية
ويبين نعمة، أن الذي حصل هو شحة مائية دولية طبيعية، ضربت كلا من إيران، وتركيا، وسوريا، والعراق، وباكستان، نتيجة عدم تبخر المياه الدفيئة، وبالتالي عدم تكوين الغيوم، وعدم سقوطها في المناطق الشمالية التي تأخذها الرياح الجنوبية باتجاه الشمال، بالتالي عدم خروج المياه التي سقطت كأمطار من الينابيع كمياه عذبة.. هذا كله تسبب بالشحة المائية.
وأكمل نعمة، أما موضوع إيران وتركيا، فإيران ليست اليوم، وتركيا بدأت في مطلع الشهر بملئ سد أليسو.
وتابع، أن إيران لها اثر لأنها قامت بإغلاق الزاب الصغير الذي يغذي سد "دوكان" في شمال العراق، ومن جهة جنوب العراق، أغلقت نهر الكرخة الذي يغذي هور الحويزة في ميسان، وفي البصرة أغلقت نهر الكارون الذي يغذي شط العرب في البصرة، ويصد اللسان الملحي ويساهم في عذوبة الشط.
الاتفاق مع تركيا
ونوه إلى أن الذي حصل سوف يفاقم الأمر، كون أن تركيا تريد أن تملئ السد بنسبة 45% إطلاق، و55 % خزن، لكن من بعد الأزمة التي أثيرت في الإعلام وافقت تركيا أن تطلق 75% وتخزن 25%.
ويوضح نعمة، هذا كان مؤمل أن يمتلئ السد لسنتين ونصف، لكن بهذه النسبة الجديدة، سيمتلئ خلال 4 سنوات، ورغم الجفاف الذي لدينا وإضافة إلى سد اليسو، سيكون هذا الصيف قاس جدا للعراق.
ويتوقع نعمة أن تستجيب تركيا لتحرك اللجان الحكومية العراقية التي شكلت من البرلمان ووزارات الخارجية والموارد المائية، بالإضافة إلى أنه سيكون هناك ضغط شعبي متمثل بمظاهرات ستخرج لمقاطع السلع التركية والتبادل التجاري.
وحسب ما ذكر، يبلغ حجم التبادل التجاري مع تركيا، 13 مليار دولار سنويا، والضغط الشعبي العراقي لا يصب في مصلحة الأتراك كون عملتهم الليرة منخفضة جداً، وتواجه مشاكل مقابل الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى مشاكل الحكومة التركية، في المنطقة الجنوبية، ومشاكل في منطقة "حسن كيف" التي هي أصلا ضمن محميات التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو، كون فيها أثار تعود لآلاف السنين والتي تم نثلها قبل أن تغمرها المياه لملئ السد، والموضوع صار عالمي ضد تركيا.
ويأمل نعمة بتوقعه أن تستجيب تركيا لهذا العام ولكن في المقبل أتوقع إنها ستعود تنظر إلى مصلحتها الداخلية وتقلل المياه عن العراق أكثر.
تبذير
ويلفت نعمة بتعبيره "نحن مشكلتنا في العراق تكمن بإن ليس لدينا ثقافة ترشيد الاستهلاك، المواطن العراقي مبذر بشكل فضيع، الحكومة أيضا مبذرة.. على سبيل المثال كل الشركات الصناعية الدولية النفطية منها "بتروجاينا" و"سينوك" وغيرها، عندما تأتي وتقدم دراسة جدوى لكل مشروع، لا يوجد في دراستها سعر الماء، على اعتبار أنهم يسحبون المياه مجانا من النهر، وهذا غير جائز فهم يجب أن يحسبوا كلفة المياه ضمن المشروع بالتالي لا تشتري الماء، فيجب استخراجه من الآبار وإعادة تكريره وتدخله للاستخدام.
الأهوار
وعن الضرر والجفاف الذي طال أهوار ذي قار وميسان، وسط وجنوبي العراق، أكد نعمة، حتى اليوم لم تنشف بعد، أما الأهوار الوسطى جزء منها مضى عليه 8 أشهر، جفت، أما أهوار الجبايش، والناصرية، والحويزة، مازالت محافظة على مياهها بفعل ما وجد من مياه بفعل الفترة الفيضانية خلال شهور الماضية من العام الجاري "يناير، وشباط، ومارس، وإبريل"، أما حاليا الواردات بدأت تصلها بشكل قليل، وستبقى المياه فيها تتناقص تقريبا (1,5-1) سم، من العمق.
وإذا بقي انحسار المياه وغير موجود باتجاه الإهوار فإنها لن تطول 5 أشهر وتجف، وحال تم منحها نسبة مياه ممكن المحافظة على نصف مساحتها، مثلما نوه نعمة.
تأثير إيران
وبشان ما إذا كانت هناك تحركات نحو إيران بسبب قطعها عدد من واردات المياه نحو سد دوكان، وشط العرب ونهر في ميسان، أفاد نعمة، بإن العراق وإيران وتركيا وكردستان، لديهم ناشطين وهو من بينهم، قائلا ً:
كلنا نفس الهم الوطني، الإيرانيين ضد حكوماتهم، والأتراك كذلك، والكل عمل تظاهرات ومنها في الفترة الماضية في منطقة حسن كيف وهي منطقة ضخمة ومظاهرات عارمة حصلت فيها وشارك فيها ناشطون من إيران والعراق وكردستان، ونحن معهم، للضغط على حسم أزمة المياه.
تقاسم الضرر
وكشف نعمة، أن تركيا أعلمت العراق، بإنها ستعمل على إطلاق 75% وتخزن 25% لسد أليسو، لغاية 2 تشرين الثاني القادم، وفي هذا التاريخ أيضا سيحصل اجتماع في سد الموصل "في محافظة نينوى، شمالي العرق"، تحضره الحكومتين العراقية والتركية، للنظر إلى ما حصل خلال الشهور التي منحت فيها تركيا النسبة المذكورة من المياه، دون حجبها كلها لملئ سد أليسو، وتداعياتها على العراق، ولو رصدوا ضررا، يتجهون إلى ما يسمى بـ"تقاسم الضرر"، ونحن ننظر إلى تقاسم المصلحة.
حق ضائع
وأشار نعمة إلى أن العراق لا يستطع أن يقاضي تركيا أو يقدم شكاوى عليها في المحاكم الدولية منها محكمة لاهاي، لأنه لا توجد اتفاقية بين البلدين، أو مع إيران، أو سوريا، كاتفاقيات دول متشاطئة وكل ما يقال في الإعلام هي مجالات يتناولها واقع موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".. متابعا "لا توجد اتفاقية صارمة موقعة من قبل طرفين بشهادة الأمم المتحدة بهذا الشأن".
وألمح نعمة إلى أن العراق انتبه للحالة والخطر الذي طال نهر دجلة، بعد بدء تركيا تشغيل سد أليسو، وكان من المفترض أن ينتبه لها منذ سنتين، وأكثر إلى الثمانينيات القرن الماضي كون الأتراك كان لديهم هكذا مشروع.
وجاء انتباه العراق بعد أن وصل الضرر وأن دجلة سيجف، وأن وزير الموارد المائية، حسن الجنابي، يصرح قائلاً " قد لا نستطع إيصال مياه الشرب إلى المدن الكبيرة أسفل بغداد، وهي الناصرية، الكوت، البصرة، العمارة، السماوة".
وأختتم الناشط البيئي العراقي البارز عن محافظة ميسان، ذاكرا ما يحل في العراق من ضرر، وثورة كون الجفاف يسبب جوعا للناس، والارياف ترجع إلى المدن، وتحصل ديمغرافية في البلاد، إذا لن يعد للريف مكانا بعد كون قاطنيه سيأتون إلى المدن، ما يسبب في حصول مشاكل على الأرزاق، وقطع الأراضي والتقاسم.
وصرح السفير التركي في العراق فاتح يلدز، الثلاثاء الماضي، 5 حزيران 2018، أن بلاده "تصرفت بكرم وقامت بتأجيل خزن المياه في سد "إليسو" وأن التأجيل كلف تركيا الكثير"، مشددا على أن ما تتناقله وسائل الإعلام في هذا الشأن غير صحيح.
وأضاف يلدز خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد "عند زيارة العبادي لنا عام 2017 أبلغناه أننا أكملنا السد وأننا نستعد لملئه "، لافتا إلى أن " خزانات السد ستمتلئ في اقل من سنة وليس كما يروج في بعض وسائل الإعلام أن الملء سيتجاوز الخمس سنوات"، مشددا على أن "ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي من جفاف نهر دجلة سببه هو جفاف منابع النهر وربطها بملء السد هو غير صحيح على اعتبار أن يومين من أغلاق الماء والبدء بملء السد من غير المعقول أن يجعل نهر دجلة جافا في بغداد بهذه السرعة ".
كما أوضح السفير التركي: "بشأن ما تم تداوله على مواقع التواصل حول تخصيص نسبة 75 بالمائة من المياه لنهر دجلة و 25 بالمائة للسد، فان هذا الأمر لا صحة له ولم نتفق لحد الآن مع الجانب العراقي على إطلاقات النسب بل تم الاتفاق على إطلاق كميات من المياه حسب الحاجة المطلوبة "، مؤكدا أن "السد هو لتوليد الطاقة الكهربائية وليس للسقي والارواء، وبعد خزن المياه سنبدأ بتوليد الطاقة وستطلق المياه أوتوماتيكيا بعدها".
وكان وزير الموارد المائية العراقي، حسن الجنابي، قال الأحد الماضي، إن تركيا خالفت اتفاقات التنسيق المشترك بين البلدين بخصوص تخزين المياه في سد "إليسو" الذي أقامته تركيا على مجرى نهر دجلة.
وشدد الجنابي في جلسة بالبرلمان العراقي، دعي إليها لمناقشة أزمة نقص منسوب المياه بنهر دجلة جراء السد، إن اتفاقات بين العراق وتركيا والتنسيق المسبق لتأجيل ملء السدود إلا بعد التشاور والاتفاق مع العراق، لكن الجانب التركي بدء بملء السدود في 1 آذار الماضي.
أقرأ ايضاً
- حققت (15) الف زيارة طبية: العتبة الحسينية تنفق اكثر من "ملياري" دينار على علاج الوافدين اللبنانيين(فيديو)
- الشيخ يوسف دعموش لبعثة العتبة الحسينية بلبنان: استمروا بدعمنا ولابد لخط السيد السيستاني ان يستمر لتقوية خط اهل البيت (فيديو)
- المالكي يدفع باتجاه انتخابات مبكرة في العراق