- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المُرشَّحون ومسؤوليَّة الاختيار
بقلم | ابراهيم الجعفري
تبقى الانتخابات في العمليَّة السياسيَّة لاختيار المُتصدِّين فيها أفضل الطرق رغم كلِّ ما يتخلـَّلها من أخطاء، ومُفارَقات، ويُثار بوجهها من تحدِّيات لا يختلف اثنان على أنَّ الانتخابات ليست الحلَّ النموذجيَّ لمعالجة أوضاع البلد من زوايا الأمن، والسياسة، والاقتصاد، والإدارة، والحالة الاجتماعيَّة.
ومنها: أنَّ الانتخاب تحوَّل إلى تقليد تمارسه معظم بلدان العالم باختلاف أنظمتها غير أنـَّها تعتقد أنـَّه الأوفق، كما أنَّ الشعوب تجد نفسها الأكثر حُضُوراً في الانتخابات من أيِّ بديلٍ آخر؛ لأنَّ المُواطِن يُمارس حقه بشكل مُباشِر في صناعة النظام بغضِّ النظر عن الفوارق الاجتماعيَّة بين المُواطِنين، لكنَّ منطلقات الانتخابات قد تختلف بحسب دوافعها من مُواطِن لآخر. فقد يستهدف تحقيق مكسب ذاتيّ، أو مادّيّ، أو عشائريّ، أو طائفيّ، أو ردّ فعل انتقاميّ، أو غفلة، وعدم جدِّيَّة غير مسموحة بالاختيار، لكنَّ التفكير بوعي يكشف عن حقيقة أنـَّها عمليَّة بناء شامل، وأساسيّ لكلِّ مرافق الدولة، وأنَّ التهاون به سيترك أسوأ الآثار على البنى الاجتماعيَّة المُختلِفة، ويدفع البلد باتجاهات خطرة؛ بسبب ضعف خيارات التصدِّي في النواب، أو التشريعات التي تنجم عن البنية الإجماليَّة لدورة مجلس النواب القادم!
دور الشهادة مُهمّ جدّاً في تقويم مسيرة الشُعُوب بشرط أن تكون الشهادة من موقع الوسطيَّة المرتبطة وثيقاً برقابة الأكمل من البشر، وهو رسول الله (ص):
((وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) {البقرة/143}
النتائج مرتبطة بمُقدِّماتها، بل بالأسوأ منها، وكما يُقال: إنَّ "النتيجة تتبع أخسَّ المُقدِّمتين".. فكثيراً ما يدرك الشعب خُطُورة اختيار العناصر الضعيفة، وغير الكفوؤة في مجالات التصدِّي، لكنـَّه يتخلـَّى عن أخذ دوره الحاسم في اختيار القويِّ الأمين، والمُضحِّي من أجلهم، والذي يعيش معاناة الناس، ويئنُّ لأنين الفقراء، ويبذل كلَّ ما بوسعه لإسعادهم، وتأمين الحياة الكريمة لهم، ويدفع بعجلة البلد على طريق الأمن، والإعمار، والبناء، وتأمين العدالة الاجتماعيَّة؛ وبذلك يصنع نفسه بنفسه من دون تدخّلٍ خارجيّ، أو اعتماد الضعفاء ممَّن يملكون إعلاماً قويّاً يُغطـّي على خللهم البالغ، أو عجزهم في بناء البلد.
عمليَّة اختيار المُؤهَّل من المُرشَّحين تتطلـَّب التدقيق في قابليته، وأمانته، وتضحياته، وليس بما تُنشَر من الصور، ويُكتَب من الشعارات.
أوعية المسؤوليَّة لا تبقى فارغة. فما لا يملأه الكفوء يملأه الضعيف، وما لا يملأه الأمين يملأه الخائن، وما لا يملأه المُضحِّي يملأه المُنتفِع.. قيمة الصوت الواحد أن يكون "صوتاً نوعيّاً" يُؤشّر بوعي، وشجاعة على مصالح البلد، ويُخلِص للشهداء.
يوم الانتخابات يوم صناعة الحاضر لعراقنا العزيز، ولمستقبل أبنائنا الأحبَّة.. إنـَّها مسؤوليَّة بأعلى مراتبها، فلا معنى أن نلعن الفساد ونُهادِن الفاسدين، ونأتي بهم يوم الانتخابات.
الصوت الواحد مسؤوليَّة لا يستهان به، وقيمته في صدق المُنتخِب، وشجاعة التعبير عمّن يعتقد به رجلاً كان أم امرأة، قريباً كان أم بعيداً.. ذلك يتطلـَّب التدقيق بالكفاءة، والنزاهة، والتضحية، وحُبِّ الفقراء، والحرص على خدمة العراق.
إنـَّه صوت الضمير الحيِّ الذي لا يخضع لأيِّ نوع من أنواع الابتزاز.
صوتك ليس ملكك، بل هو ملك الشعب كلـِّه بجيله الحاضر، ومستقبل أجياله فلا تستهِنْ به، ولا تغفل عن وضعه في محلـِّه.