هادي جلو مرعي
للرايات حكاية في تاريخ الشعوب والحضارات فهي علامة على قوة، ودليل على رفعة، وإشارة لحدث ما، وعنوان لقوم. وهناك من يقول: إن بعض غانيات العرب كانت رايات ترفرف على بيوتهن إشارة الى نوع عملهن. بينما كان حامل الراية في الحرب مميزا عن أقرانه، وسجل تاريخ الحروب الأولى في الإسلام بطولات مشهودة كما في معركتي بدر وأحد، ولعل الأبرز هو الشاب مصعب الذي كان يحمل الراية باليد اليسرى، ويقاتل باليمنى، فإذا قطعت حملها بيمناه، فلما قطعت وسقط شهيدا كانت علامة دالة عليه. وصاحب الراية صورة للبطل المغوار والمتقدم والناصح لقومه.
ظهرت رايات الحروب المتطورة التي غادرت فيها الجيوش الأسلحة التقليدية كالسيف والرمح والسهام، وكانت الراية توضع على الدبابة، وترفرف في الريح على جناح طائرة مقاتلة، ثم أصبح تقليديا أن يكون علم الدولة عنوانا لها يمثل الفكر والبيئة ونوع الجغرافيا فيها، وينشد له النشيد وأتذكر أغنية ذائعة لموفق بهجت السوري يقول فيها.
لبيك ياعلم العروبة
كلنا نفدي الحمى
لبيك إن عطش اللوا
سفك الشباب له الدما
ظهرت رايات القاعدة وداعش والنصرة، وجيوش تحمل عناوين دينية وطائفية، وإختلفت، وكل يدعي إنه على الحق. لكن الرايات السود التي يحملها ماسمي بتنظيم الدولة الإسلامية كانت الأكثر وقعا في النفوس. فقد رفرفت على آلاف الرؤوس المقطوعة، لكنها كسرت وسقطت على الارض وفر حاملوها، أو قتلوا في ميادين الحرب، وكانوا مصدر رعب للناس بأفعال غريبة شوهت معالم الدين الإسلامي المتسامح والذي يمثل العدالة الإنسانية الحقة.
إنتقل أصحاب الرايات السود الى آسيا الوسطى وسيناء وبلدان الساحل الأفريقي من ليبيا الى موريتانيا، وفي جنوب شرق آسيا، وصاروا يمثلون عنوان حرب جديدة ستستعر على مساحة ملايين الكيلومترات من الصحاري المخيفة التي تهدد خاصرة أوربا الجنوبية، وتبعث الهلع في القارة العجوز التي ضجت بالمهاجرين الذين إندس بينهم آلاف المتطرفين الذين قد يشعلون أوربا بأسرها.
أعلنت بغداد هزيمة أصحاب الرايات السود. لكن بديلا لهم ظهر في الساحة، أو مايطلق عليهم أصحاب الرايات البيض الذين تستهويهم لعبة الألوان وهم بحاجة الى وقت طويل وتضحية ليثبتوا حضورهم، أو أن يتم تدميرهم وهو المتوقع والذي حصل على مدى تاريخ الإسلام.