بقلم:سالم مشكور
عندما واجه السفير السعودي السابق في العراق ثامر السبهان موجة اعتراض ورفض له بعد أسابيع من قدومه، علّق ذلك على شمّاعة الاعلام الموالي لإيران" كما قال. لم يرَ في تصريحاته الاستفزازية التي سبقت وصوله، سبباً، ولم يشعر بحساسية العراقيين من استخدام بلدهم ساحة لصراعات إقليمية، بل أكد تلك المخاوف بتصريحاته تلك. غادر السبهان بغداد وخلفه سفير أكثر وعياً ودماثةً، ووراءه "معادلة سياسية جديدة" كما يسميها، هو السفير عبد العزيز الشمري الذي استضافه ملتقى بحر العلوم الشهري بحضور نخبة من السياسيين والدبلوماسيين والإعلاميين العراقيين. في تعقيبي قلت: ليت هذه المعادلة حلّت منذ العام ٢٠٠٣ لكنّا وفرنا على بلدينا والمنطقة، الكثير من الخسائر الماديّة والبشرية، وإن هذه المعادلة محل ترحيب شرط أن لا تكون أسلوباً جديداً للصراع السعودي الايراني على الأرض العراقية، وأن تكون العلاقات السعودية مع الدولة العراقية وليس مع كتل أو بعض كتل وأحزاب وشيوخ عشائر. قلت أيضا إن أفضل ما حدث في المعادلة الجديدة هو ضرب المؤسسة الدينية السعودية التي طالما رفدت توتير العلاقات مع العراق بالفتاوى التكفيرية مع عدم إغفال ان المؤسسة السياسية كانت تستخدم ذلك أداةً وغطاء لعملها. اللقاء توزّع على محورين هما: ماذا تريد السعودية من العراق، وماذا يريد العراق من السعودية؟. في الاول تحدث السفير عن تطلّع بلادة لعودة العراق الى "الحضن العربي"، فعقب أحد الحضور بالقول إن الحضن العربي هو الذي ابتعد عن العراق وليس العكس، وهو ما لقي إيماءة رأس بالموافقة من قبل السفير. يدعم هذه "الايماءة" ما نقله لي أحد السياسيين عن أن ولي العهد السعودي قال للسيد الصدر في الرياض: "نعترف إننا كنّا مخطئين بحق العراق". إعتراف يثير ارتياحاً عراقيا مشوباً "لدى الكثيرين" بهاجس الصراع السعودي الايراني على أرض العراق الذي أتعبته هذه الصراعات، لكن السفير السعودي قال ان هذا الامر لا يدخل في سياستنا الجديدة حيال العراق وانه يتمنى أن يكون العراق نقطة تقارب الأطراف الإقليمية المختلفة، وذهب أكثر عندما قال: "ما حدث في الماضي كان طعما بلعناه نحن وأنتم وكلانا تضرر". أسهب السفير في سرد ما تنوي السعودية تقديمه الى العراق خصوصاً على صعيد الاقتصاد مصرّحاً بان تحسن أسعار النفط العالمية سببه التنسيق العراقي السعودي، لكنه شكا من بطء تنفيذ بعض النوايا بسبب تأخر توقيع اتفاقية ثنائية لحماية الاستثمارات التي قال انها ستكون بحجم كبير ومشاريع ضخمة تساهم في بناء البلاد وتوفر فرص عمل للعراقيين.
في المقابل لم يخف الحضور هواجسهم، مستندين الى تاريخ قريب وبعيد. البعض طالب بحل مشكلة الديون السعودية البالغة ٤٥ مليار دولار هي في أغلبها كانت تمويلات لأسلحة ومعدات الى النظام السابق لدعمه في الحرب مع إيران، ومعالجة موضوع خط أنبوب النفط العراقي الذي يصل الى ميناء ينبع السعودي، وغيرها الكثير مما يمكن أن يعزز الثقة بالانفتاح السعودي على العراق.
كان حواراً ايجابياً صريحاً، حرص فيه السفير السعودي على تسجيل ما طرحه الحضور، وعلى تأكيد حسن نوايا بلده حيال العراق في ظلّ "المعادلة الجديدة" التي نأمل أن نشهد تنفيذها على الارض.