- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
منع السفر ومبدأ الشرعية الإجرائية
عامر حسن شنتة
تعد حرية السفر من الحريات الأساسية التي نص عليها الدستور، ولم يجز تقييدها أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً على قانون، غير أن حماية حقوق الأفراد والمجتمع قد تقتضي في أحيان كثيرة تقييد تلك الحرية من خلال منع سفر بعض الأشخاص الذين يخشى هروبهم، حيث بات السفر وسيلة سهلة يتخذها البعض للهرب من الملاحقات القضائية التي قد تطالهم، وفي ظل انعدام تعاون الجهات الدولية في تسليم المطلوبين أصبح لزاماً على الجهات القضائية اتخاذ إجراءات سريعة تضمن منعهم من الهرب.
وإذا كانت ممارسة المحاكم المدنية لذلك التقييد لا تثير أية إشكالية كونها تمارس ضمن صلاحيتها المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية،المادة(142)منه، فأن إصدار محاكم الجزاء لتلك القرارات،تثير جدلاً واسعاً حول السند القانوني الذي يبيح لها ذلك.إذ لم ينص قانون أصول المحاكمات الجزائية على منع السفر إلا في مورد واحد يتعلق بتبليغ المتهم الهارب بموعد المحاكمة في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام،المادة(143/د)منه.
ويمثل إصدار محاكم الجزاء لقرارات منع السفر في نظر البعض خروجا على مبدأ (الشرعية الإجرائية الجنائية) والذي يعني في ما يعنيه وجوب استناد الإجراءات التي تتخذها المحكمة إلى نصوص قانونية صريحة تبيح لها ذلك، صيانة لحقوق وحريات الأفراد من أن تنتهك.
ولا يمنع عدم النص على مبدأ الشرعية الإجرائية في الدستور من الأخذ به،طالما مثل برأيهم الإطار الذي يضمن تحقيق مبدأ الشرعية الموضوعية(لاجريمة ولاعقوبة إلا بنص) المنصوص عليه فيه.
ومهما كانت جدارة الرأي السابق فأن الأخذ به على إطلاقه يؤدي إلى إفلات العديد من المجرمين من تحت طائلة العقاب.لذلك يرى الكثيرون أن تحقيق التوازن العادل بين حماية الحريات الفردية وحماية المجتمع تبيح اتخاذ تلك القرارات,وان المصلحة الاجتماعية هي الأولى والأجدر بالرعاية.
وذلك ما تمليه (الضرورة العملية) وهي من المبادئ المستقرة في مختلف النظم القانونية.والتي تمثل استثناءً على مبدأ (الشرعية الإجرائية) والتي ورد النص عليها في المذكرة الإيضاحية لقانون أصول المحاكمات الجزائية،إذ اعتبرتها من المقاصد الأساسية التي يقوم عليها القانون لتحقيق العدل. كذلك يمكن لقرارات منع السفر المتخذة من قبل محاكم الجزاء، أن تجد سندها في قانون المرافعات المدنية والذي يعد المرجع لكافة قوانين المرافعات والإجراءات بحسب المادة الأولى منه طالما لم يكن هناك نص يتعارض معه صراحة في قانون أصول المحاكمات الجزائية. غير أن هذا الاستثناء لايجوز التوسع فيه منعاً لإضراره بحريات الأفراد دونما ضرورة حقيقية تستدعيه.وهذا ماأكد عليه مجلس القضاء الأعلى في العديد من إعماماته بوجوب اقتصار محاكم الجزاء في اتخاذها لقرارات منع السفر على القضايا المهمة فقط. ولابد من الإشارة إلا أن قرارات منع السفر من قبل محاكم الجزاء تعد من المواضيع المثيرة للجدل في معظم الدول العربية،إذ لم تتضمن قوانين الإجراءات الجزائية فيها نصاً صريحاً يبيح لها ذلك وان تضمن بعضها نصاً عاماً يجيز اتخاذ أي إجراء لا يتعارض مع النظام العام أو حقوق الأفراد.
وتستند المحاكم في اتخاذها لتلك القرارات إلى ضرورات حفظ النظام وحماية المال العام، وفي النهاية يبقى الأمر يعاني من فراغ تشريعي واضح. يقتضي تدخلا من السلطة التشريعية لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية بوضع نص صريح يمنح تلك الصلاحية إلى محاكم الجزاء وبضوابط محددة. وان يكون ذلك التدخل عاجلاً،بعد ان ازدادت حالات هرب بعض المتهمين والمحكومين من كبار المسؤولين في الدولة. إذ لم يعد السفر كما كان (قطعة من سقر) بل بات وسيلة لمن ظفر.
أقرأ ايضاً
- منع وقوع الطلاق خارج المحكمة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- محمد علاوي :تحدثت مع الإيرانيين لمنع اندلاع الحرب الاهلية بالعراق