- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عدسة النزاهة وحمايات الرعاية الاجتماعيَّة
حجم النص
علي محمد البهادلي ثلاثة عشر عاماً تقريباً مرَّت على سقوط النظام الدكتاتوريِّ في العراق كان من المفترض أن تُرسَى خلالها أسسُ ومرتكزات دولة المُؤسَّسات ويسود القانون وزارات الدولة وتشكيلاتها كافة، وأن يكون اختيار القيادات الإداريَّة على وفق مبدأي الكفاية والنزاهة، وأن تُستبعَد السلوكيات الخاطئة المنحرفة التي عشعشت في تلك الوزارات لعقودٍ من تأسيس الدولة العراقيَّة كالرشوة والمحسوبيَّة. لكنَّ الإحباط وخيبة الأمل قد سريا إلى نفوس الجماهير جراء الانتكاسات التي اعترت المرحلة التي أعقبت سقوط الطاغية صدام، فقد أعيد إنتاج التجربة الصداميَّة وحكومة البعث بصورٍ مختلفةٍ، فالرشوة والمحسوبيَّة والمنسوبيَّة، فضلاً عن إنتاجٍ جديدٍ أسموه التوافق تارةً والمحاصصة تارةً أخرى هو ما تصدَّر المشهد العراقيَّ، بغض النظر عن الأسباب التي أنتجت مثل هذا الوليد المُشوَّه سواء تدخُّل سلطة الاحتلال وسنَّها هذه السُنَّة السيِّئة المُتمثِّلة بالمحاصصة الطائفيَّة والقوميَّة بدءاً بمجلس الحكم ومروراً بقانون إدارة الدولة وليس أخيراً بالدستور أو تدخُّل القوى الإقليميَّة التي تبغي إجهاض التجربة الديمقراطية؛ خوفاً على عروشها ومصالحها المبنيَّة على أسسٍ قبليةٍ وعائليةٍ باليةٍ، مع عدم إبعاد العوامل الداخليَّة والتركة الثقيلة التي تركها النظام السابق وعدم كفاية النخب التي تصدَّرت الواجهة السياسيَّة في العراق بعد التغيير. عسكرة المجتمع والمؤسَّسات هي الأخرى قد طفت على السطح ولأسبابٍ عدَّة لا نريد الخوض فيها، حتى وصل الحال بالوزارات ودوائرها إلى ملئها بحماية الشخصيات والمؤسَّسات وبلغ بهم حدَّ التفرعن وتجاوز مهمات عملهم المتمثلة بتوفير الأمن والحماية إلى التدخُّـل بعمل الوزارات وإجراءاتها، بل التجاوز على كرامة الناس وأرواحهم وليس عنَّا ببعيدٍ حادثة التعدِّي على الإعلاميِّ (محمد بديوي) وإزهاق روحه. ضحى الأحد الموافق الحادي عشر من الشهر الجاري حصلت حادثة لفريقٍ إعلاميٍّ تابعٍ لمؤسَّسةٍ رسميَّةٍ هي هيئة النزاهة رام العمل على إعداد تقريرٍ أو تحقيقٍ صحفيٍّ في وزارة العمل – دائرة الرعاية الاجتماعيَّة؛ لتقديم صورة عمَّا يجري في أروقتها ومستوى تقديم الخدمة للمراجعين المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية من العاطلين والعجزة والأرامل والمطلقات والمُعوِّقين المشمولين بإعاناتها؛ إذ دخل مُفوَّض شرطةٍ برفقة إحدى السيدات (المجكنمات) إلى مقر الرعاية بالقرب من أروقتها فصرخ بوجههم أحد الموظفين مخاطباً المُفوَّض بأنه يجب عليك الخروج من أروقة الرعاية وعمل الموظفين متهماً إياه بتعقيب المعاملات فحدثت مشاداة كلامية بينهما وتطورت بعد دخول نقيب من الشرطة على الخط، فالتفت إلى الفريق الإعلامي فصدَّر مشكلته إليهم ورام مصادرة الكاميرا، فامتنع الفرق عن تسليمها فاعتدوا على الفريق الإعلاميِّ التابع لهيئة النزاهة بالضرب فأخذوا الكاميرا عنوة وحذفوا التصوير الذي قام به الفريق. هذا حال مُؤسَّسات الدولة في ظلِّ تحكُّم أناسٍ غير مهنيِّين ولا نزيهين فيها وتسلط أجهزة الحماية من الشرطة وتدخلهم فيما لا يعنيهم وقيامهم بتعقيب المعاملات، فضلاً عن اعتدائهم على فريقٍ إعلاميٍّ مهمته نقل الحقيقة وتبصير المسؤولين بنقاط القوة في مؤسَّساتهم فيعزِّزونها ونقاط الضعف ليعالجوها، ومن هنا نتوجَّه إلى الجهات المعنيَّة وهم كلٌّ من وزير العمل والشؤون الاجتماعية ومكتب المفتش العام في الوزارة والمدير العام لدائرة الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن مسؤول الحمايات في الوزارة للتحقيق في القضية ومحاسبة المسؤولين المقصِّرين؛ ليكونوا عبرة لكلِّ من تسوِّل له نفسه تجاوز مهماته والاعتداء على الآخرين، كما ينبغي للجهات الرقابيَّة (هيئة النزاهة، ومكتب المُـفتِّـش العام) بفتح قضيَّة لحوم شبهات فسادٍ حول ضباط الحماية في الوزارة والشرطة وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم لكشف فساد أولئك وابتزازهم المواطنين الفقراء المعوزين من العجزة والمعاقين والعاطلين عن العمل، بل ينبغي عدم تأثر مجريات التحقيق بالتدخلات العشائرية؛ لأنَّ المعتدين حتماً سيجنِّدون نفراً من باعي الضمائر ممن يعتكز على الواجهات العشائرية لإطفاء الإجراءات القانونية وعكس سير مجريات التحقيق لمصلحة الجناة المعتدين.