RSS
الاثنين، 8 ديسمبر 2025

ابحث في الموقع

فوضى الإيجارات.. قانون غائب ومواطن مغلوب

فوضى الإيجارات.. قانون غائب ومواطن مغلوب
فوضى الإيجارات.. قانون غائب ومواطن مغلوب

بقلم: سيف الحمداني

مع اقتراب نهاية عام 2025، تتعاظم أزمة السكن في العراق وتفرض نفسها كواحدة من أبرز الإخفاقات في الملف الخدمي والاقتصادي، في ظل استمرار الفوضى التي تحكم سوق الإيجارات، وغياب الضوابط التشريعية والتنظيمية التي من شأنها حماية المستأجرين وضبط جشع بعض المؤجرين. الأسعار تواصل صعودها بوتيرة غير مبررة، والمواطن يواجه وحده هذا الارتفاع دون سند قانوني أو دعم حكومي حقيقي.

أحدث البيانات السكانية تُظهر أن عدد سكان العراق تجاوز عتبة الستة والأربعين مليون نسمة، بينما تشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن نحو أربعة ملايين مواطن يواجهون صعوبات سكنية حقيقية، سواء بانعدام الملكية أو العيش في مساكن غير ملائمة. هذه الفجوة لا تزال تتسع، رغم مرور سنوات على وعود الإصلاح في هذا القطاع. ويؤكد تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية أن العراق بحاجة فعلية إلى أكثر من مليوني وحدة سكنية جديدة لسد العجز القائم وتحقيق الحد الأدنى من الاستقرار السكني.

في المقابل، أصبح سوق الإيجارات ساحة مضطربة تتحكم بها المزاجية، وتفتقر إلى أي نوع من التنظيم أو الرقابة. الإيجارات في بغداد وبعض المحافظات شهدت ارتفاعًا تراوح بين 40 إلى 70 في المئة خلال العامين الأخيرين فقط، مع تسجيل أسعار تتجاوز 500 دولار شهريًا لشقق متوسطة في مناطق ذات خدمات محدودة. هذه القفزات لم تقابلها أي إجراءات حكومية لضبط السوق أو حماية الفئات المتوسطة والفقيرة التي بات السكن يمثل لها تحديًا يوميًا.

ولا تزال العقود الإيجارية تُبرم بمعظمها خارج الأطر الرسمية، ما يجعل العلاقة القانونية بين المؤجر والمستأجر هشّة، ويسلب الطرف الأضعف أي قدرة حقيقية على المطالبة بحقوقه في حال حدوث خلاف أو تعسف. القانون العراقي النافذ في هذا المجال – الصادر قبل أكثر من أربعة عقود – لا يوفر ضمانات حقيقية، ولا يعكس تعقيدات السوق الحالية أو متطلبات الحماية الاجتماعية.

تتوالى التحذيرات من أن استمرار هذه الفوضى قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة الطبقية، وتعميق شعور شرائح واسعة من المواطنين بالإقصاء السكني. وعلى الرغم من طرح العديد من المبادرات لبناء المجمعات السكنية، مثل مشروع بسماية، إلا أن تأثيرها لا يزال محدودًا، ولا يلبّي الحاجة المتزايدة، خاصة مع غياب سياسة وطنية متكاملة لمعالجة أزمة الإيجارات.

المطلوب اليوم ليس فقط بناء وحدات سكنية، بل إعادة تنظيم سوق الإيجارات من جذوره. ذلك يشمل تحديث القانون، واستحداث هيئة رقابية مستقلة، ووضع خارطة تسعيرية شفافة تُلزم بها مكاتب العقارات والمؤجرين على حد سواء. كما لا بد من إطلاق نظام رقمي لتسجيل جميع العقود ومراقبة حركة الإيجارات بصورة عادلة وشفافة.

إن السكن ليس ترفًا، بل أحد شروط العيش الكريم. وعلى الدولة أن تنهض بمسؤوليتها في حماية هذا الحق، لا أن تترك المواطن العراقي تحت رحمة سوق منفلت وقانون غائب.

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!