- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الطب العدلي وميزان العدالة (3)...هل الحمض النووي دليل يقيني ؟
حجم النص
ترجمه بتصرف/ فتحي الجواري قد تستغربون حين تعلمون أن امكانية التعرف الى الاشخاص مواضيع الاتهام بالاعتماد على انماط من حمظهم النووي فقط (أي الشفرة الورائية التي نكسبها عن أبوينا)، لم تطورها مؤسسات إنفاذ القانون، بل طورها عالم الوراثة البريطاني (أليك جيفريس) بالصدفة عام (1984). وقد شكل اكتشاف (جيفريس) ذلك المنطلق الى اختبارات الحمض النووي. فقد حلل مختبر (جيفريس) عام (1987) الحمض النووي لشاب في السابعة عشرة اشتبه بضلوعه في جريمة اغتصاب مراهقتين وقتلهما في وسط انكلترا. ووجد ان عينة الحمض النووي لذلك الشاب لا تتطابق مع المني الذي عثر عليه في جثتي الضحيتين. فكان أول توظيف لتحليل الحمض النووي في قضية جنائية قد أفضى الى نفي إدانة متهم، لا إدانته. (بعد ذلك اعترف الجاني الحقيقي بجرمه، إذ حاول التملص من اختبار الحمض النووي من بين مجموعة من رجال في منطقة وقوع الجريمة). وسرعان ما استعملت اختبارات أدق. فمع حلول عام 1997 كان مكتب التحقيقات الفدرالي يستخدم اختبارا يظهر تقطعات متكررة في شفرة الحمض النووي في (13) موضعا بالجينوم. علما أن احتمال تشابه الأنماط كلها لشخصين غير مرتبطين هو (واحد) من (مئات المليارات) على أقل تقدير (أي صفر تقريبا). وهذه الانماط هي التي شكلت في نهاية المطاف أساس قاعدة بيانات مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI). لذلك يعكف ذلك المكتب (حاليا) على مراجعة مئات القضايا التي يحتمل انها حسمت بناءا على نتائج تحليل شعر او غير ذلك من الادلة. فمن ذلك ان (كيرك أودوم) كان قد أدين بجريمة اغتصاب، بعد أن أدلى خبير بشهادة مفادها ان شعرة وجدت على فراش الضحية تطابق شعره، فأمضى أكثر من (22) سنة في السجن (و8) سنوات من اطلاق السراح المشروط، قبل أن تثبت براءته من خلال تحليل حمضه النووي، ويكشف عن المجرم الحقيقي. ويقال الشيء نفسه بالنسبة لآثار العض على جسد الضحية، فقد قرر طبيب جنائي متخصص في الأسنان أن أثر العضة على جثة أحدى الضحايا تعود الى (ستيفن مارك تشاني)، الذي أدين عام 1987 بناءً على ذلك التقرير، وقد بين ذلك الطبيب في تقريره (ان نسبة الخطأ في هذا الاحتمال هي واحد من مليون). الا انه ما من أساس علمي يدعم مصداقية ذلك التقرير. ففي احدى الدراسات قام (30) طبيب أسنان بتحليل آثار عضات صناعية استحدثت بآلة خاصة على جلد خنزير، فوقع في الخطأ خبراء محنكون. وقد أخلي سبيل (ستيفن) في شهر تشرين الأول الماضي بعدما تم تفنيد الدليل المستند الى تقرير طبيب الاسنان. مع حلول تسعينات القرن العشرين اتسع نطاق استعمال تحليل الحمض النووي في قضايا معروضة على أنظار المحاكم في مختلف انحاء العالم. إلا اننا يجب ان نضع في بالنا ان قرائن الحمض النووي ليست لها الكمال المطلق. إذ تتأثر قيمتها بعوامل خارجية، من مسرح الجريمة الى المختبر الذي تجري فيه التحليلات. فتحليل حمض نووي من مني او لعاب او نسيج أخذ من المشتبه به قد يقلص احتمال الخطأ في المطابقة الى صفر تقريبا. لكن تحليل حمض نووي متروك على شيء لمسه المشتبه به قد يفضي الى نتائج غير دقيقة. إضافة لذلك فان نتائج التحليل تتأثر بمدى خبرة من يقوم بالتحليل. ففي شهر (نيسان من عام 2015) علق العمل بتحليل الحمض النووي في المختبر الجنائي في واشنطن عشرة أشهر، وأعيد تحليل أكثر من مئة قضية تبين منها ان المحللين كانت تعوزهم الكفاءة. المقال بقلم (فيرونيك غرينوود) – منشور باللغة الانكليزية في مجلة (NATIONAL GEOGRAPHIC) – المجلد 18 – العدد 70 – شهر تموز 2016 – ترجم بتصرف من قبل (فتحي الجواري) – للبحث تتمة في الاعداد القادمة من صحيفة القضاء الالكترونية.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء