حجم النص
بقلم:طلال فائق الكمالي إن زيارة يوم الأربعين من أهم الشعائر الحسينية وأبرزها لصحة سندها وتعدد دلالة متنها المنصوص عليها من الأئمة المعصومين عليهم السلام، علاوة على الإقرار بها عقلاً ووجداناً وعرفاً. فالسائر في طريقه إلى كربلاء يتلمس تلك المضامين العليا والدروس المستفيضة، بيد أنه يجد ظاهرةً غريبةً يكاد لا يمكن احرازها إلا في الطريق إلى الله بلحاظ أنه الطريق ذاته، فبغض النظر عن تلك المكامن الرائعة التي يتلمسها الإنسان في طريقه إلى الحسين، إلاّ أنَّ الأغرب من ذلك رطوبة النفس الإنسانية المتسامية وتجلياتها الزكية لترتقي متحلقةً لدرجة الملائكة ومراتب صورها، فنجدها تسمو علواً في ربيع سماوي، متألقةً بكل تلك المضامين العاليات رافضةً كل صور الهوى. نجد النفس في هذا الطريق تُروّض خارج دائرة المتعارف والمألوف عنها، خارج ما تسالم على تقمصها وتشبثها بغرائز الدنيا والهوى وصورها المتعددة: من حب الدنيا، والأنا، والجنس، والجوع والعطش، والتملك، والجاه، وغيرها من الصور التي تُعدَّ صوراً طبيعيةً للنفس الإنسانية في معيار الشريعة المقدسة، غير أن نواميس الشريعة وقوانينها كانت تسعى إلى أن تقف بالنفس الإنسانية على مرتبة العدالة والاتزان من دون افراط أو تفريط، وهو المعيار لرضا الله تعالى من عدمه. هناك نجد أن نفوس المحبين التي تزحف بالطريق نحو الحسين تعيش ربيعاً ملكوتياً، تتسامى فيه عن كل ملذات الدنيا وغرائزها، بل تزهد بكل ما تملك من غال ونفيس، بل تتسابق لفعل الخيرات، فنجدها تنكر الذات سعياً للموضوع، وتنكر الأنا في قبال الجميع، وتذوب العزة والكبرياء أمام الخدمة، وتتصاغر الأرقام ومراتب الجاه، وتتسامح لطفاً ووداً، وتتعبأ غيرةً وشجاعةً، وتتحصن شرفاً وعفةً، وتزداد عطاءً وكرماً، نعم في الطريق هناك تتساقط كل الهويات من أجل أن تبقى هوية الحسين. هكذا نجد النفوس وهي تسير في ربيع سماوي جميل في غاية الكمال والروعة لا يمكن أن يدركه إلا من قصد الحسين سيراً في طريق يا حسين.