- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من أعلام كربلاء الفقيه ابن الفهد الحلي الاسدي
حجم النص
أ.د. عباس التميمي - جامعة كربلاء من أعلام كربلاء الفقيه ابن الفهد الحلي الاسدي أ.د. عباس التميمي - جامعة كربلاء يعد الفقيه أبن فهد من الأعلام الإسلامية البارزة في مجال الفكر الإسلامي الحنيف وتحديداً في الفكر الأمامي الاثني عشر، فقد أرسى لكثير من المفاهيم وبحر فيها ووضحها بتفسيراته البليغة والتي أصبحت فيما بعد مرجع من المراجع المهمة في الفكر الأمامي، ومن هنا فأن للشيخ الفقيه ابن الفهد مكانته الرفيعة بين فقهاء الأمة الإسلامية، فكان له الفضل الكبير في تنشيط الحركة العلمية في حوزة كربلاء التي نمت وترعرعت على يديه ، فقد أعطى الفقيه الحلي لحوزة كربلاء دافعاً حركياً من الجدل والتعمق بدلاً من تلقي المعلومات أو نقل معرفي فقط، فكانت على درجة من الأبداع في النقاشات العلمية بين الطلاب والأساتذة من خلال ما يطرح من مسائل وموضوعات فقهية ، وقد وصف الفقيه الحلي من قبل المؤرخين وعلماء الرجال والنسابة بأشهر وأنبه فقهاء القرن الثامن والتاسع الهجري ، أما عن، فقد أعطى الفقيه الحلي لحوزة كربلاء دافعاً حركياً من الجدل والتعمق بدلاً من تلقي المعلومات أو نقل معرفي فقط، فكانت على درجة من الأبداع في النقاشات العلمية بين الطلاب والأساتذة من خلال ما يطرح من مسائل وموضوعات فقهية ، وقد وصف الفقيه الحلي من قبل المؤرخين وعلماء الرجال والنسابة بأشهر وأنبه فقهاء القرن الثامن والتاسع الهجري. ولتوضيح الأمر أكثر إعطاء دراسة مختصرة عن هذا الفقيه المهم الذي لعب دور كبير في استقطاب طلبة العلم والعلماء من مختلف الدول الإسلامية لتتلمذ على يده وأخذ من معارفه أضافة إلى دوره العقائدي والتاريخي من خلال أقناع حاكم العراق التركماني باتخاذ المذهب الشيعي مذهبا للدولة،كما لا ننسى إسلام الكثير من أهل الكتاب على يديه، وهذا ما سوف نتطرق له في فقراتنا من هذا المقال التعريفي له. أسمه وكنيته: جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلي الأسدي أما كنيته فقد كان يكنى بأبي العباس. ولادته ونشأته عصره: ولد الشيخ ابن فهد عام 756هـ وقيل 757هـ في مدينة الحلة السيفية (نسبة إلى سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الّذي بناها الّذي بناها عام 495 هـ 1074 م أو الحلة المزيدية نسبة إلى بني مزيد قبيلة سيف الدولة) التي كانت من أهم مدن العراق لكثرة العلماء والمدارس الدينية والمعاهد العلمية فيها،وسبب ازدهار هذه المدينة وتوافد طلاب العلم عليها، لأنها أصبحت ملاذ أمن بعد سقوط بغداد على يد المحتلين من التتر بقيادة هولاكو والتي لم يغزوها، فقد فرَّ إليها عشرات من علماء بغداد وطلاب العلم وهو سبب في أزدها الحلة وثقافتها. وهكذا نشأت مدرسة الحلة العلمية، مما يدل على العراق في عهدة أو في فترة نشأته لم يكن على استقرار، فقد عاش العراق في فترته اضطرابات بسبب ذلك الاحتلال البغيض، وتقع مدينة الحلة على بعد أربعة وستين ميلا إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد وعلى بعد بضعة أميال من أطلال بابل وعلى بعد أربعين ميلا إلى الشمال الشرقي من الكوفة. أما عن سبب عدم غزو هولاكو مدينة الحلة وكربلاء والنجف جاء فيه: وعندما غزا هولاكو أيام السلاجقة المغول مدينة بغداد في منتصف القرن الخامس عام 448 هـ وعاث فيها فساداً ودماراً وفتكاً بأهلها، بعث أهالي الحلة وفداً وفيهم السيد مجد الدين بن طاووس ويوسف بن عليّ الحلي والد العلاّمة، إلى هولاكو يلتمسون منه الأمان لبلدهم وما والاه، فاستجاب هولاكو لطلبهم وسلمت الحلة والنيل والمشهدان العلوي والحسيني من القتل والنهب، ويقال أن مجد الدين قد كتب كتاب البشارة وصنفه للسلطان هولاكو، فردّ إليه النقابة (وهي الولاية الدينية لأشراف على المراقد المقدسة) في البلاد العراقية، فبعد أن أصبحت هذه البلدة مركز أمن وأمان، توجه إليها جمع من العلماء في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس وتدارسوا ما انتهى اليهم من العلوم الإسلامية من الفقه وأصوله والتفسير والكلام و... خاصة فتاوى وآراء الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه، ومنذ ذلك الحين تأسست الحوزة العلمية في مدينة الحلة واستقطبت الأنظار وتوجه العلماء نحوها وأصبحت ذات مكانة شامخة لدى العالم الإسلامي. أما عن أسباب انتقال الحوزة العلمية من النجف إلى الحلة والسبب الخفي لانتقال الحوزة من النجف الأشرف إلى الحلة وتمركزها فيها ابتداءً من القرن السادس وهو: لقد أصبحت الحلة معقل الشيعة ومنها كان يلهم الشيعة بكرخ بغداد وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم وأحراق مكتباتهم ومنها مكتبة شابور ببغداد والتجاء الشيخ الطوسي منها إلى النجف في 448 هـ تعاون المزيديون والأكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد وأسد آباد والنيل حوالي بابل مع البساسيري ببغداد فألغوا الخلافة العباسية في 450 هـ وخطبوا للمستنصر الفاطمي وخلع الإمام الفاطمي على أميرهم أبي الفتح بن ورام الجاواني بخلعة الأمارة ثم بعد قتل البساسيري ورجوع الأتراك السلجوقيين والخلافة العباسية إلى بغداد قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلة فصارت مركز الشيعة وذلك في محرم 495 ه. أساتذته: وقد تتلمذ على يد عدد من كبار العلماء في حوزة الحلة منهم 1-الشيخ علي بن الجابري 2-الشيخ نظام الدين علي بن عبد الحميد النيلي 3-الشيخ ضياء الدين علي بن محمد بن مكي العاملي (ابن الشهيد الأول) 4-السيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم 5- ابن المتوج البحراني 6- ظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي 7- أبي الحسن علي بن الحسن بن محمد الخازن 8- مقداد بن عبد الله السيوري 9- جلال الدين عبد الله بن شرفشاه 10- جمال الدين بن الأعرج العميدي 11- الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمّد بن القاسم 12- السيد نقيب النقباء أحمد بن طاهر بن عليّ الطاهر الحسيني 13- محمّد بن عليّ بن شهر آشوب14 - الشيخ محمّد الحمصي الرازي الّذي درس عنده الفقه الكلام. طلابه: بعد أن نبغ في علوم الفقه والحديث وظهرت همته وتفوقه في هذه العلوم، أصبح مرجعاً من مراجع الحوزة الحلية، فقد روي عنه جملة من طلبة العلم الذين أصبحوا فيما بعد من المراجع المعتمدة وذلك لأمانتهم وثقتهم وتوثقهم فيما نقلوا عنه منه، ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر 1-الشيخ علي بن هلال الجزائري شيخ المحقق الكركي، وهو صاحب كتاب الدر الفريد في التوحيد 2- الشيخ رضيّ الدين حسين الشهير بابن راشد القطيفي 3- السيخ علي بن محمد الطائي 4- السيد محمد نور بخش 5- السيد رضي الدين عبد الملك بن شمس الدين إسحاق القمي. 6- محمد بن فلاح الموسوي الحويزي 7- حسن بن حسين الجزائري 8- الشيخ عبد السميع بن فياض الأسدي الحلّي 9- الشيخ عز الدين حسن بن علي المكنى بابن العشرة الكسرواني العاملي 10- الشيخ علي بن فضل بن هيكل الحلي 11- الشيخ مفلح بن حسن الصميري 12- الشيخ فخر الدين أحمد بن محمد السبعي الأحسائي وغيرهم من هؤلاء التلاميذ الذين أصبحوا فيما بعد من مصادر العلم المعتمدة بدرجة الاجتهاد وهي أعلى مراحل العلم في الحوزات العلمية، مما يؤكد تأثير شيخنا ابن الفهد الحلي وتأثيره وإخلاصه في علمه. وظيفته: بعد أن تفوق الشيخ ابن الفهد الحلي في حوزة الحلة العلمية والتي كانت وريثة الحوزات العلمية في بغداد، وظهرت نباهته وتسلط الضوء عليه من قبل أساتذته، عين مدرسا في نفس الحوزة الحلية إلى جانب كبار المراجع أمثال: 1- نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد ت(676هـ) الشهير بالمحقق الحلي 2- العلامة أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن علي المطهر (ت648هـ) المعروف بالعلامة الحلي 3- العلامة محمد بن جمال الدين بن الحسن يوسف، بن العلامة الحلي (771هـ) 4- الشيخ المحقق محمد بن مكي العاملي (786هـ) 5- العلامة ابن طاووس غياث الدين عبد الكريم بن أحمد (ت693هـ) وغيرهم وقال فيه العلاّمة الأمين (برع في المعقول والمنقول وتقدم وهو في عصر الصبا على العلماء الفحول وقال في خطبة كتابه المنتهى انه فرغ من تصنيفاته الحكيمة والكلامية وأخذ في تحرير الفقه من قبل أن يكمل له ست وعشرون عاماً)، وهكذا التحق مع العلماء في حوزة الحلة العلمية . وفاته: توفي عام 841 هـ () عن عمر ناهز الخمسة وثمانين عام ودفن بداره التي تقع ببستان له تسميه العامة بستان ابن فهد الحلي بالقرب من المخيم الحسيني، بشارع قبلة الإمام الحسين () وبالقرب من مرقد أبي الشهداء () وقد قام ببناء قبره الشريف عبد الحسين البهبهاني () . وقال صاحب (مراقد المعارف): وفي سنة 1329 هـ دخلنا مرقده لقراءة الفاتحة ـ كما هي عادتنا في كل عام نأتي لزيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان ـ فوجدناه على سعته مكتضاً بالزائرين حتى في بستانه الوقف الذي كانت الزوار تقيم فيه أيام الصيف، والمعروف والمشهور انه رحمه الله تعالى وقف داره التي فيها جدثه على ان تكون قبراً ومزاراً له، ومأوى للزائرين الضيوف، وكذا البستان المحيطة بداره وقبره، المعروفة ببستان ابن فهد الحلي هي وقف عليه. تراثه العلمي: ترك لنا شيخنا ابن فهد الحلي () ثروة علمية هائلة لخدمة الفكر الإسلامي أولا ومن ثم دراسة الفكر الأمامي الاثني عشري من خلال فكر أهل البيت () فقد بلغت مؤلفاته أكثر من خمسين مؤلفاً بين مطبوع ومخطوط، وهذا ما أضاف إلى دوره العلمي الطابع الريادي الذي ميزه عن الآخرين وتميزت تصانيفه بالتنوع بين الفقه والعقائد والعبادات والتأريخ ومن تلك التصانيف - من مؤلّفاته المطبوعة: *عُدَّة الداعي ونجاح الساعي، *نبذة الباغي فيما لابد منه من آداب الساعي، *آداب الدعاء، *الفصول في التعقيبات والدعوات، *المهذب البارع في شرح المختصر النافع،* شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام،*الموجز الحاوي لتحرير الفتاوي ، *المحرر في الفتاوى، * اللمعة الجلية في معرفة النية ، * نهج الوصول إلى علم الأُصول ، * مختصر النافع في فقه الأمامية ، * نكت النهاية للشيخ الطوسي ، * مصباح المبتدي وهداية المقتدي * المعتبر في شرح المختصر، *غاية الإيجاز لخائف الإعواز ، * مختصر المراسم في الفقه، * المعارج في أُصول الفقه، * كفاية المحتاج الى مناسك الحاج، *رسالة وجيزة في واجبات الحج، *جوابات المسائل الشامية الأولى، *جوابات المسائل الثانية ، *جوابات المسائل البحرانية، * المسلك في أُصول الدين، * رسالة في أحكام القبلة، * النكهة في المنطق، * الرسائل التسع ، وبلغت كتبه المطبوعة 26كتاباً - المؤلفات المخطوطة (الغير مطبوعة): *اختصار العُدَّة، *الأدعية والخُتوم، * الأدعية والأوراد، * استخراج الحوادث، * تاريخ الأئمة، *التواريخ الشرعية عن الأئمة المهدية ، *الموجز الحاوي، *التحرير، *المحرر، *رسالة في منافيات نية الحج، *شرح الألفية للشهيد الأول، *رسالة في السهو في الصلاة ، *رسالة في كثير الشك، *الخلل في الصلاة ، * اللوامع، *جامع الفوائد، * فتاوى الشيخ أبي العباس أحمد بن فهد الحلي، *رسالة إلى أهل الجزائر، *رسالة في تحميل العبادة عن الغير، *رسالة في فضل الجماعة ، *شرح الإرشاد، *الهداية في فقه الصلاة ، *واجبات الصلاة، *المصباح في واجبات الصلاة ومندوباتها، * أسرار الصلاة ، * السؤال والجواب في الفقه، *مسائل ابن فهد، *الدر النضيد في فقه الصلاة، *رسالة في العبادات الخمس، *المقدمات ، *الدر الفريد في التوحيد، * الاستفتاء، *أصول الدين، * إفادات، *الشذرة النفيدة وهداية المستفيد، *منازل القمر، فقد بلغت كتبه المخطوطة 36 كتاباً وهي معظمها في مكتبات طهران. مناظراته وبعض من أرائه الفقهية: كان العلامة ابن فهد قدس سره متبحراً وقديراً في البحث والنقاش، وله مناظرات علمية مع أتباع فقه أهل السنة وخصوصاً في موضوع الإمامة والولاية، وقد ناقش علماء السنة وبحضور وطلب من أمير العراق آنذاك وهو الأمير اسبند (اسبان) بن قرا يوسف، وكان سبباً لهدايته إلى مذهب التشيع، حيث ألقى الأمير بعد ذلك خطبة الجمعة باسم أمير المؤمنين وأولاده المعصومين المطهرين عليهم السلام وضرب السكة باسم الأئمة الإثني عشر عليهم السلام وقد وقعت تلك المناقشة عام 836هـ بعد أن سقطت الدولة الجلائرية باحتلال الأمير إسبان للحلة في ذلك العام. ينقل السيد محسن الأمين قدس سره في (أعيان الشيعة) عن الشيخ عبد النبي الكاظمي نزيل جبل عامل في كتابه (تكملة الرجال) قوله: وقد ناظر في زمان ميرزا اسبند التركماني والي العراق جماعة ممن يخالفه في المذهب وأعجزهم فصار ذلك سبباً لتشيع الوالي. وقد تأثر حاكم العراق بتلك الحجج والبراهين واعتنق المذهب الشيعي واصبح مواليا لأهل بيت الرسول() وقد ألقى خطبة الجمعة باسم أمير المؤمنين() وأولاده المعصومين() واعتنق المذهب الشيعي. كما أنه كان شاعراً جيداً يلقي الشعر بغزارة وخاصة في مراثي الإمام الحسين (). لقد كان العلامة ابن فهد الحلي فقيهاً ورعاً زاهداً حباه الله كرامات عديدة اشتهر بعضها، ومن أبرزها قصته مع أحبار اليهود إذ التقوا به وجرى الحديث حول علماء وفقهاء الدين الإسلامي ومن أجل البرهان ألقى مساحته التي كان يحرث بها الأرض فانقلبت ثعباناً أرعب الناظرين ثم التقفها بيده فعادت إلى ما كانت عليه.