حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ حملت زيارة الرئيس معصوم المزدوجة (في يوم واحد) الى النجف الاشرف ولقاء المرجعية فيها والتي طار منها الى السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها، حملت أكثر من انفراج مهم وانفتاح إستراتيجي على نوافذ كانت مستحكمة الانغلاق وتشكل نقاط استعصاء مركزية للعملية السياسية برمتها، الانفراج الأول أتى من الداخل ومن صميم المرجعية الدينية العليا ومن ارفع مستوياتها (السيد السيستاني) والتي عرفت على نطاق السنين الماضية انها أغلقت "الباب" بوجه المسؤولين العراقيين وبكافة درجاتهم بسبب مآخذ لها شخصَّتها على الأداء الحكومي وكانت تلك المآخذ تُطرح دائما في خُطب الجُمعة بواسطة ممثلي المرجعية للتعبير عن وجهة نظرها حول إخفاقات وتعثرات الأداء الحكومي والفعاليات السياسية والنشاطات الحزبوية ومظاهر الفساد المالي والإداري والمستوى المعيشي للمواطن العراقي البسيط وكتعبير عن جملة من احباطات يضاف اليها الملف الأمني الذي شهد في فترات ماضية انتكاسات واضحة وكل تلك الأمور وملفات مهمة وحساسة اخرى جعلت من المرجعية ان تدير ظهرها لرموز العملية السياسية وأقطابها ولهذا فقد جاءت زيارة معصوم الى النجف الاشرف ولقائه السيد السيستاني رسالة مهمة جدا في مضامينها السياسية الى المسؤولين العراقيين والمتصدين للقرار كافة بفتح صفحة جديدة في تحسين الأداء الحكومي وخدمة الصالح العام من خلال توجيه الدعوة لرأس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) مايترتب على الحكومة مسؤولية عدم تكرار سيناريو الإخفاقات والتعثرات القديم الذي دعا بالمرجعية ان تتخذ موقفا سلبيا منها وموقف المرجعية يعكس مناسيب الرأي العام. اما الانفراج الاستراتيجي الثاني والذي جاء هو الآخر بضوء اخضر من المرجعية نفسها والمشجع على فتح صفحات جديدة مع دول الجوار وإذابة الجليد المتراكم في العلاقات المتعثرة مابين العراق وتلك الدول وتطبيع العلاقات معها، فيتمثل في زيارة رئيس الجمهورية الى السعودية،الجار العربي الأكبر وبناءً على دعوة منها استجاب لها العراق لمد جسور التعاون الثنائي المشترك وفتح "صفحة" جديدة من العلاقات الثنائية الجيدة والبناءة مع مراعاة أسس الجوار والمصالح والاهتمامات المشتركة بين البلدين وهي علاقات شهدت فتورا كبيرا في السنوات الأربع الماضية سبقها برود معلن في العلاقات مع بغداد وعداوة مستترة معها لاسيما بعد الغزو الصدامي لدولة الكويت وغلف ذلك البرود حرب إعلامية حامية الوطيس يغذيها سيل من الاتهامات التسقيطية المتبادلة . الرئيس معصوم اختصر الهدف من زيارته للسعودية بعبارة كشفت عن التوجه الجديد للحكومة العراقية قائلا: ان العراق لايريد مشاكل مع دول المنطقة ويعني إيران وتركيا والسعودية في خطوة جديدة لتصحيح مسار العلاقات العراقية مع المحيط الإقليمي وخاصة دول الجوار وتوجيه بوصلة تلك العلاقات الوجهة الصحيحة كبادرة تدل على حسن نية العراق تجاه جيرانه بعيدا عن أجواء التشنج والتعصب والتوتر وإسقاط الاتهامات، ويبدو ان السعودية قد التقطت هذه الإشارة واستوعبتها وبادلتها بإشارة تدل هي الأخرى على "حسن" نية ورغبة متبادلة مع الجانب العراقي بدا هذا واضحا من خلال "ثناء" الملك عبد الله على مواقف السيد السيستاني وهي إشارة غير مسبوقة ابدا وتعكس تحولا جذريا في مسار العلاقات بين البلدين في توطيد تلك العلاقات وتعد انطلاقة "متحمسة" لها بعد ان كان المسؤولون السعوديون يتحاشون لقاء المسؤولين العراقيين في المنتديات والمؤتمرات كما حدث في قمة الدوحة حين اعتذر الملك السعودي عن استقبال رئيس الوفد العراقي آنذاك "لانشغال" الملك، وبعدها دخلت العلاقات العراقية ـ السعودية في نفق مظلم كانت زيارة الرئيس معصوم بصيص الضوء الذي أنار نهاية النفق . استراتيجيا من غير الممكن تجاوز السعودية التي هي الجار الإستراتيجي الكبير للعراق وتشترك معه في حدود برية طويلة وهي دولة لها ثقل إستراتيجي إقليميا وعربيا وحتى دوليا والمعروف ان العلاقات بين البلدين مرت بتعثرات وكبوات كثيرة وكبيرة ولم يستغل مسؤولو البلدين أية فرصة لترطيب الأجواء المتشنجة او حلحلة الملفات العالقة بينهما الى ان وصلت علاقاتهما الى أشبه بالقطيعة غير المعلنة وقد حان الوقت لان يتجاوز البلدان سلبيات الماضي وفتح آفاق مستقبلية تصب في صالحهما.. وليس بمستغرب ان توجه السعودية دعوة رسمية لأرفع مستوى لمسؤول عراقي وتعرب عن نيتها فتح سفارة لها في بغداد وهي أول دعوة توجه لمسؤول عراقي رفيع المستوى منذ عقود وذلك لوجود أهداف مشتركة مع العراق منها الملف الأمني ومكافحة الإرهاب والاهتمامات الاقتصادية والنفطية وغيرها وليس بمستغرب ايضا ان تحظى زيارة الرئيس معصوم بتأييد القوى السياسية والمرجعيات الدينية التي أعطته الضوء الأخضر ولغرض توسيع جبهة العراق في حربه ضد داعش والاستفادة من جهود السعودية الأمنية والاستخبارية في ذلك ومن الطبيعي ان الانسجام في علاقات العراق الخارجية يصب في مصلحة العراق وفي هذا الظرف العصيب بالذات. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- شروط إنجاح إستراتيجية مكافحة الفساد
- إستراتيجية الغرب كانت عزل بوتين .. لكنها لم تنجح
- العبادي إستراتيجية رد الدين