حجم النص
بقلم عباس عبد الرزاق الصباغ وهي ليست معركة من معارك “المصير” التي كانت تسوقها الأنظمة العربية لخداع جماهيرها وشعوبها المغلوب على أمرها، وليست هي المعركة الفاصلة والحاسمة ضد الإرهاب الذي يضرب كل مفاصل وهياكل الدولة العراقية وبُناها البشرية والتحتية والحضارية وغيرها، وانما هي معركة المناكفات السياسية والاحترابات الحزبوية والمزاجات الكتلوية وتطاحن الأيدلوجيات والتخندقات التي تسبق الخوض في مضمار الانتخابات وهي المعركة التي ليس فيها للمواطن ناقة ولاجمل سوى أن يحصد المرارة ويعود بخفي حنين من كمِّ الشعارات المرفوعة في هذا المعترك حامي الوطيس في تسقيط الحكومة ورمي جميع المثالب عليها.... وهي معركة التراشقات الإعلامية التي تشترك فيها الفضائيات المؤدلجة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي المصطفة خلف واجهاتها الحزبوية وهي معركة المهاترات الكلامية و”القرقعات” الجدلية والسفسطات الإدارية والشطحات التي لاتسمن من جوع ولاتشفي غليلاً،وتصارع حلقات الروتين المفرغة والفارغة والنتيجة من كل هذا التصارع والتهارش سقوط المواطن المسكين في هذه الحلبة الكأداء بالضربة القاضية وأمره إلى الله وإليه المشتكى!!! وجوهر هذه المعركة ومادتها هوالمواطن البسيط نفسه.. المواطن المضغوط مابين مسلسل الإرهاب الدامي وضجيج المفخخات وشظايا القنابل والأحزمة الناسفة ومصائد الكواتم وشراك وشباك عصابات الخطف والتهجير والتكفير وما بين معاناته من شظف العيش (اعلنت بعثة الامم المتحدة في العراق “يونامي” عن أن 6 ملايين عراقي ما يزالون يعيشون تحت خط الفقر من أصل نحو33 مليونا في بلد تتجاوز موازنته المالية السنوية اكثر من 100 مليار دولار) وتهالك الخدمات ومشاريع البنى التحتية في بلد تتصاعد ميزانتياته “الانفجارية” الى أرقام فلكية كل عام وتبقى في الوقت نفسه معاناة المواطن هي الاخرى “انفجارية” والشيء الذي يثير الاستغراب أن اغلب الكتل السياسية والأحزاب الفاعلة في حكومة الشراكة الوطنية وبحكم المحاصصة (التي يلعنونها آناء الليل وأطراف النهار) وتبادل المسؤوليات والأدوار وبحكم الشراكة التوافقية من جهة وبحكم عدم دخولها في نسق حكومة أغلبية سياسية من جهة أخرى، فان اغلب هذه الأحزاب والكتل لها ادوار معينة وممارسات حكم وإدارة وتخطيط وتنفيذ في العملية السياسية ومؤسسات الدولة وطيلة السنين التي تلت التغيير فصرنا نسمع ونرى (ونلمس) أن هذه السفارة للكتلة الفلانية وهذه الوزارة لتلك الكتلة وهكذا المحافظات والمدن والدوائر والمديريات وحتى الشوارع،فجميع هذه الأحزاب والكتل ينتقدون الحكومة وجميعها قد اشترك في هذا المضمار الحكومي والجميع في قارب واحد وكلهم يدلي بدلوه ويلقي “كرته” في ملعبه الذي كان لاعبا فيه، فالمسؤولية مسؤولية تضامنية مادامت التوافقية هي الناظم والضابط الذي تسير على منواله جميع الفعاليات السياسية والشيء الذي يثير الاستغراب أكثر هوأن بعض الكتل والأحزاب يستعرض عضلاته ليبين انه أكثر “حرصا” من الحكومة واكثر “نزاهة” اذا ما استلم الملف الفلاني اوالقضية العلانية والدلائل المعاشة تثبت ان هذه الكتل والأحزاب كانت مناطا بها هكذا مسؤوليات في يوم من الأيام والنتيجة...صفر.. وطيلة سنوات العملية السياسية العشر لم نر أي مسؤول عراقي من أية جهة كانت قدم اعتذاره وعلى الأقل الى شارعه و”جمهوره” الذين أوصلوه الى مركزه، متحملا جزءا من الفشل (الفشل في العراق يعني الكثير من الاخطاء المهنية والفساد المالي والاداري) اومعترفا بفشله ليقدم استقالته وبشجاعة وكل الذي نراه هوإما ان يُقال اويهرب الى جهة إقليمية ويبقى العراق تحت “رحمة” الانتربول اوتصطاده هيأة النزاهة، ونرى ايضا ان كل مسؤول يلقي بفشله على مسؤول آخر (من حزب آخر بطبيعة الحال) أو ان الوزارة الفلانية من هذه الكتلة ترمي فشلها على الوزارة العلانية التي تنتمي الى كتلة اخرى حتى وان كانت من ضمن الائتلاف نفسه. وقد كشفت الأمطار عن خلل كبير متراكم في الفعاليات الحكومية يتحمل مسؤوليته التضامنية جميع الشركاء المنخرطين في العملية السياسية وليس جهة معينة بحد ذاتها وإلقاء التبعية في الفشل الحكومي على جهة معينة (حزب معين) هذا ما تحاول إظهاره وإبرازه وتسويقه بعض الأحزاب والكتل السياسية للرأي العام لأغراض شتى تأتي الانتخابية في مقدمتها فضلا عن التنافر الأيدلوجي والتخندقات المتصارعة حول السلطة، ومن ظاهر الحال ان نظرة بعض السياسيين الى الكوارث التي يدفع ثمنها الباهظ المواطن هي نظرة حزبية ضيقة إن لم تكن مناوئة اوعدائية وليست هي نظرة نابعة من المواطنة والمواطنية والمواطن والحرص عليها باعتبارها الهدف المتوخى من نشاطه السياسي المفترض وتصب في مستقبله السياسي، لاسيما في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ العراق يضاف إليها الهدف الشخصي وهوحق مشروع لاغبار عليه بل هي نظرة نابعة في اغلب الأحيان من منظار حزبي وشخصي مؤدلج، والمواطن الذي غرق بيته وشارعه ومنطقته وتعطلت مدارس أبنائه ما الذي يهمه من كل هذه المعمعات الفارغة والسفسطات العقيمة؟ ويبقى السؤال دون جواب!!!!!. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- رمزية السنوار ودوره في المعركة
- مبابي وفيني.. المعركة القادمة
- المعركة ليست لبناء العراق بل للسيطرة عليه