حجم النص
في يوم 24 يونيو-حزيران من العام الماضي أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسة المصرية نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أعلنت عن المرشح محمد مرسي عيسى العياط رئيسا للجمهورية المصرية لمدة أربع سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة فقط.
لم يتوقع غالبية المصريين أن تخرج نتيجة الانتخابات وقتها بهذا الشكل، خاصة أن المرشح الفائز هو عضو قيادي في جماعة الإخوان المسلمين.
في 30 يونيو-حزيران 2012 أدى الرئيس المصري محمد مرسي اليمين الدستورية أمام أعضاء المحكمة الدستورية العليا ومعها بدأت مصر تدخل مرحلة جديدة تسيطر عليها حالة من التخبّط والضبابية الشديدة. من هنا جاءت فكرة مجموعة من الشباب المصري بتأسيس حملة أطلقوا عليهااسم «حملة تمرّد» مع اقتراب الذكرى الأولى لتولي الجماعة الحكم بعد أن أثبتت فشلا كبيرا في إدارة دولة في حجم مصر.
فشل الإخوان
مع مرور العام الأول على حكم الإخوان في مصر، تشهد البلاد العديد من الأزمات، كان آخرها أزمة سد النهضة الأثيوبي التي تهدّد بالتأثير المباشر على حصة مصر من مياه نهر النيل، وعلى قدرتها على توليد الطاقة الكهربائية في المستقبل من السد العالي. لم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة التي أظهرت فشل الإخوان في الحكم، فقد سبقها العديد من الأزمات الأخرى التي يأتي على رأسها انقطاع الكهرباء المتكرّر والانفلات الأمني المستمر والانهيار الاقتصادي الذي تتزايد حدته يوميا وانخفاض قيمة الجنيه المصري إلى أدنى المستويات، إلى جانب مشكلات سيناء التي نجحت الجماعات التكفيرية والمتشددة مؤخرا في السيطرة على قطاعات واسعة منها، وكذلك تزايد أزمات المصريين في الخارج.
تبيّن من ذلك عدم قدرة النظام الحالي على التدخل في الوقت المناسب، وإيجاد حلول ناجعة لهذه الحزمة من المشكلات التي تسببت في خلق حالة من عدم الإستقرار داخل قطاعات واسعة من المجتمع المصري، وتصاعد الغضب الشعبي ضدّ جماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة والتيارات الإسلامية بصفة عامة. غير أن السبب الحقيقي من وراء هذا الفشل الواضح يعود بالأساس إلى البرنامج الانتخابي الوهمي الذي طرحته الجماعة على الرأي العام إبّان خوضها لمعركة الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وهو البرنامج الذي أطلقت عليه إسم «مشروع النهضة».
بعد مرور السنة الأولى من حكمها للبلاد اتضّح أن جماعة الإخوان المسلمين لم تنجح في تحقيق أي من وعود «مشروع النهضة».
ماذا نفعل؟
كان من ضمن الأسباب الجوهرية لنجاح الإخوان المسلمين في تولي الحكم في مصر هو إرادة أميركا في الحفاظ على النظام كما هو، عن طريق الدفع بالجماعة إلى تولي الحكم بهدف إعطائهم الفرصة التي لطالما انتظروها منذ ما يقارب الـ83 عاما، وكذلك ضمان حفظ ولاء الحكام الجدد لها، والإبقاء على التحالف المصري مع واشنطن عن طريق حكام تحرّكهم «البرمجاتية السياسية» في بناء تصوراتهم وتوجهاتهم، بما يحقق مصالح الجماعة. فتحت قيادة الرئيس المصري الحالي أثبت الإخوان أن فلسفتهم في الحكم تترجم إلى الفقر والجوع والاضطرابات والصراع الداخلي العنيف. غير أن الجماعة التي ظلت تعد نفسها لهذا الهدف الطموح (حكم مصر) أثبتت أنها عاجزة عن ذلك، فالاقتصاد بات على حافة الانهيار مع نزيف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة وانخفاض الجنيه المصري إلى مستوى قياسي وعجز الحكومة عن جذب أية استثمارات أجنبية. إلى جانب أن المجتمع الدولي الذي انبهر (قبل عامين) بالثورة المصرية ليس لديه ثقة في قدرة حكام مصر الجدد على تحقيق المصالحة بين الفصائل السياسية المتناحرة.
بات واضحا أن بعض صنّاع القرار الأميركي الذين تحمّسوا بشدة للجماعة (بعد مرور عام على توليها للحكم) يحاولون الآن غسل أيديهم مما يجري في مصر، وبدأ أعضاء الكونغرس يضغطون على أوباما لوقف المساعدات الموجهة إلى القاهرة، حيث كان السيناتور جيمس إنهوف أكثرهم صراحة حينما قال «مرسي أصبح بمثابة عدوّ لنا». قد لا يكون مرسي هو المشكلة ولكنه بالقطع رئيس المشكلة، أما المشكلة فهي تكمن بالأساس في المجتمع المصري كله الذي باتت أطرافه متناحرة وعاجزة عن التصالح والتعايش. وبدأ الجميع يسأل عن توقيت انفجار المجتمع والعواقب التي قد تنجم عن ذلك. أما الأخطر فهو أن المصريين بدؤوا يعتادون على حالة عدم الاستقرار ويؤهلون أنفسهم لفوضى طويلة الأمد.
الشعب يتمرد
تهدف حملة تمرّد بالأساس إلى جمع 15 مليون توقيع من الشعب المصري، وهو العدد الذي يفوق بنحو مليوني توقيع عدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس المصري محمد مرسي في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية.
يسعى بعدها أعضاء الحملة إلى التوجه إلى مقر المحكمة الدستورية العليا لسحب الثقة من الرئيس الحالي. أما الحقيقة فهي أن أعضاء الحملة قد نجحوا بالفعل في جمع الـ 15 مليون توقيع، لكن الواقع يقول إن عملية سحب الثقة من رئيس منتخب لا يوجد لها أي سند قانوني أو دستوري. وبالتالي فإن الحملة لا تتعدى نطاق الضغط السياسي والأدبي في حشد الإرادة الشعبية ضد الحكم الحالي، وفي إحراج النظام خارجيا من خلال إظهاره في صورة النظام الذي لا يرغب شعبه في استمراره في الحكم.
لكن في سعيها لإيجاد حل سياسي لهذا المأزق قامت القوى السياسية المعارضة بطرح فكرة جديدة تتمحور حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يكون من شأنها إنهاء حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها البلاد الآن، والرجوع إلى شرعية صناديق الاقتراع (التي يتحدث عنها الإخوان طوال الوقت) لكي تقرر، وهو ما سوف يعزز حق الشعب في الاختيار المباشر لحكامه.
غير أن الإخوان المسلمين أسرعوا في تقديم التبريرات القانونية والدستورية التي من شأنها أن تعرقل هذا الاقتراع، وأكدوا أن رئيس الجمهورية لا يترك منصبه (طبقا للدستور) دون انتهاء فترة ولايته أو وفاته أو تعرضه للعجز الدائم، ولا يجوز لأحد أن يجبره على تركه إلا في حالة الخيانة العظمى، أو إذا ارتأى (بمقتضى المادة 127 من الدستور) أن يحل مجلس النواب، فيرفض الشعب ذلك، فيعتبر الرئيس مستقيلا، أو أن يقرر الرئيس بإرادته هو الاستقالة.
واستنادا على ذلك فقد دفعت قيادات الجماعة بشبابهم لكي يقوموا بالتوقيع على استمارات حملة تمرّد أكثر من مرة حتى يعتريها البطلان من الناحية القانونية، أو سرقة الاستمارات أو اختطاف حامليها، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى التعدي على مقرات الحملة.
ما لا تفهمه قيادات الجماعة، ومعها قيادات تيّار الإسلام السياسي بصفة عامة هو أن هؤلاء الشباب لا يستندون في هذه الحركة العفوية إلى الشرعية القانونية أو الدستورية، ولكنهم يعتمدون بالأساس على المشروعية الشعبية والجماهيرية التي استطاعت أن تطيح بالنظام السابق، وأن تسقط أركانه جميعها بما في ذلك الدستور الذي اختارت أن تتخفى وراءه الجماعة.
مشكلة الإخوان الأساسية الآن تكمن في أن كتلة المعارضة المصرية الرئيسية (التي تضم جميع الأحزاب المدنية والمعروفة بجبهة الإنقاذ الوطني) التي أعلنت دعمها الكامل لشباب الحركة.
سيناريوهات 30 يونيو
رغم أن هذه المعارضة تظل متهمة دائما بالضعف والتشتت والتقليدية وغياب روح القيادة، إلا أن قرارها الأخير بالانضمام إلى هذه المجموعة من الشباب سبّب إزعاجا كبيرا للجماعة، ودفعها إلى تبديل نظرتها الاستعلائية إلى الحملة، لتتحول إلى قلق بالغ من إمكانية نجاح هؤلاء الشباب في جمع عدد من التوقيعات التي أعلنوا عنها.
تسيطر الآن حالة من الشحن السياسي والمعنوي على الشارع المصري، الذي يترقب يوم 30 يونيو-حزيران وما يمكن أن يؤدي إليه من سيناريوهات جديدة على الساحة السياسية المصرية. تنقسم الاحتمالات لهذا اليوم إلى قسمين:
أولا : في حالة نزول أعداد كبيرة من المتظاهرين تقدر بالملايين ومحاصرة قصر الاتحادية (القصر الرئاسي المصري) وإدراك جماعة الإخوان المسلمين أن الأمور قد خرجت عن سيطرتهم فمن المحتمل أن:
- تلجأ الجماعة إلى الدعوة إلى استفتاء شعبي حول إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة أم لا، بهدف تهدئة الشارع، وكسب الوقت، والوصول إلى عملية الاقتراع والدعاية الانتخابية التي يجيدونها تماما.
- أن يتشبث الإخوان بالسلطة، ويختاروا الدخول في مواجهات دامية مع معارضي الرئيس محمد مرسي، وخاصة بعد تلويح جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية بامكانية النزول إلى الميادين والاعتصام فيها، بداية من يوم 28 يونيو وحتى يوم 30 من نفس الشهر، وهو ما سيؤدي (بالطبع) إلى حدوث حالة من الفوضى العارمة، يضطر معها الجيش للتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والإطاحة بالإخوان نهائيا من سدة الحكم.
- أو أن يعلن الرئيس المصري تنحيه عن السلطة، ويسند الحكم إلى الدكتور أحمد فهمي (القيادي الإخواني) رئيس مجلس الشورى طبقا للدستور المصري (نظرا لغياب مجلس النواب) والذي سوف يقوم بالإعداد لانتخابات رئاسية جديدة في غضون 90 يوما من إعلان الرئيس تنحيه. وهو الاحتمال المستبعد.
ثانيا: في حالة فشل المظاهرات ونجاح الإخوان في احتوائها، فلن يكون أمام المعارضة المصرية بكل قطاعاتها السياسية والشبابية والثورية أية فرصة جديدة للإطاحة بالإخوان من سدة الحكم، وسوف يكتسب الإخوان مزيدا من الثقة أمام حلفائهم في الولايات المتحدة، وينجحون في إثبات أنه لا يوجد بديل مدني يصلح لتولي السلطة في مصر في الوقت الحالي، وأنهم قادرون على احتواء أية احتجاجات أو مظاهرات تخرج ضدهم، لأنهم هم الفصيل الوحيد في مصر الذي يتمتع بمساندة شعبية كبيرة.
يبقى التحدي الرئيسي الذي تواجه الجماعة الآن، هو التخفيف من وطأة هذا اليوم أو عدم الوصول إليه وأحوال البلاد بهذا الشكل، والذي من الممكن أن يعرّض حكمهم في مصر إلى خطر محدق، وهو ما تعكف قيادات الجماعة على دراسته في الوقت الحالي، رغم حالة الرعب المسيطرة على قواعدها، وبين صفوف شبابها.
مخاوف الإخوان من 30 يونيو
صفية الدمرداش
بدأت تقترب حملة تمرّد من ساعة الحسم الفاصلة في موقف مؤسسة الرئاسة الذي حول الساحة السياسية إلى معترك يلهث وراءه الجميع للوصول إلى نهاية تلك المعركة التي بات حسمها وشيكا نحوالهدف المنشود في الثلاثين من شهر يونيو الجاري. و خاصة بعد أن وصل عدد التوقيعات على الحملة حتى الآن إلى تسعة ملايين توقيع – حسبما أكده مصدر داخل الحملة – ليتزامن هذا العدد الكبير من التوقيعات مع منتصف شهر يونيو الحالي، الذي يأتي مع نهاية العام الأول من مدة ولاية الرئيس محمد مرسي لمنصب رئاسة الجمهورية بعد حسمه المعركة الانتخابية التي جرت بينه وبين منافسه مرشح النظام السابق الفريق أحمد شفيق في 14 يونيو 2012، بأغلبية ضعيفة، كما وصفها هو أخيرا خلال اجتماعه مع الجالية المصرية الأثيوبية بأنها «بالعافية».
المتحدث الاعلامي لحملة تمرّد محمود بدر، أكد أن تدهور الأوضاع في الداخل و الخارج كان الدافع من تدشين حملة تمرّد التي تهدف إلى تجميع القوى السياسية ضد النظام والعمل على سحب الثقة من الرئيس محمد مرسي، من خلال توقيع المواطنين على إقرار بسحب الشرعية من الرئيس مرسي، باعتبار أن كل مواطن مصري عضو في الجمعية العمومية للشعب المصري والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وعاجلة، لإخراج البلد من الأزمة الكبيرة التي يعاني منها، وإعادة سيادة القانون في مصر الذي انتهكه الرئيس وجماعته بمخالفته لجميع الوعود التي وعد بها أمام الشعب المصري، وسقوط الشهداء، وسالت دماء المصريين أمام قصر الإتحادية، وكذلك يوم أن أصدر إعلان دستوري مخالفًا لليمين الذي أقسمه، كما سقطت شرعيته عندما خالف برنامجه الانتخابي الذي وعد الشعب بأن ينفذه.
بينما يرى د. يسري العزباوي المحلل السياسي، أن دعم جبهة الانقاذ لحملة تمرّد يمثل مصلحة متبادلة للجانبين، خاصة أن الحملة بدأت في سحب البساط من الجبهة وقياداتها في الفترة الأخيرة، بعد أن نجحت فيما فشلت فيه جبهة الإنقاذ بشأن اجتذاب نسبة لا بأس بها من تأييد الشارع الذي يبدو أنه يرى أن الجبهة لا تقل ضعفا عن السلطة وأن قادتها يطمعون في كرسي الرئاسة أكثر من حرصهم على المصلحة الوطنية؛ لافتا إلى أن «تمرّد» اكتسبت زخما مهما بدعم الإنقاذ، في حين أن الأخيرة ربما سعت لمساندة تمرّد كي لا تخرج خاوية الوفاض خاصة أنها تعاني في الوقت الحالي من خلافات داخلية تحاول جاهدة منعها من الظهور إلى العلن، وهو أمر نتج عن تكونها من قوى مختلفة بل ومتنافرة، كما أن معظم الأحزاب التي تنتمي إلى الجبهة تفتقد للقواعد الشعبية، على العكس من حملة تمرّد التي استطاعت تحقيق شعبية مهمة في مدة قصيرة هو الإخفاق والتدني الواضح في الأداء السياسي للسلطة والمعارضة على حد سواء، فضلا عن فشل السلطة سواء في بناء توافق سياسي أو في حل العديد من الأزمات التي تواجه المواطن العادي.
ومن جانبه، أوضح د. سعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية، أن غياب الدولة والمجتمع والمؤسسات بشكل عام بعد تآكل شرعية الرئيس محمد مرسي وجماعته الإخوانية، أدى إلى إشعال القلق والخوف بين الطبقات المتوسطة والفقيرة على حد سواء، بما في ذلك الأقباط والشباب والمرأة باعتبارهم أقليات أهدرت حقوقهم في ظل حكم التيّار الإسلامي دون مشاركة عادلة لباقي الأحزاب المدنية والليبرالية، وهو الأمر الذي أدى لتكون حملة «تمرّد»، التي تهدف لإجبار الرئيس على الاستجابة لمطالب الحملة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بعد انتشار العنف الممنهج من قبل أنصار الإسلاميين للمعارضين من تهديدات وحصار لمؤسسات الدولة خاصة الإعلامية كنوع من الترهيب الذي تستخدمه مؤسسة الرئاسة لقمع الأفواه، إضافة إلى حصار المؤسسات القضائية وحالات الانتهاك والتعدي التي يتم توجيهها للقضاء والقضاة على أيدي الرئيس وأنصاره بصورة تهدّد أمن الدولة وهيبتها أمام العالم، لذا أصبح الاستعجال بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وبرلمانية لمجلس النواب أمرين هامين لعودة استقرار الدولة وهيبتها والحفاظ عليها من الهجوم الذي يهدّد الوطن من الداخل والخارج، على أيدي النظام الحاكم الذي ساعد على زيادة حدة التوتر في الشارع المصري. (وكالة الصحافة العربية)
أقرأ ايضاً
- لبنان: نعول على دعم العراق في إعادة الإعمار
- الكاظمي يفتح النار على "المهرجين" و"المرتزقة" بعد اتهامات تخص "سرقة القرن"
- الخارجية: الحكومة تعمل على تعزیز التعاون بمجال مكافحة الهجرة غیر النظامیة