في خضم المد الطائفي الاهوج الذي اجتاح العراق بعد (وقبل) تفجير سامراء الاول والثاني وفي جلسة للبرلمان العراقي صرح وقتها رئيسه السابق د. المشهداني بان \"الكثير\" ممن يجلسون امامه وتحت قبة البرلمان هم من الارهابيين وقادة المليشيات وهم بالتالي كتحصيل حاصل وكنتيجة لا بد منها من المقربين لاذرع الهوس الطائفي (فكرا وتخريبا واجراما) ومن محركي الجماعات المسلحة والخارجة عن القانون وهم من المغذين للعنف الطائفي والقومي والعنصري والشوفيني الذي استعر أواره آنذاك ..و\"بعضهم\" وهنا مربط البغل من اصحاب السوابق البعثية والذيول الصدامية والتوجهات العفلقية والارتباط القاعدي التكفيري المشبوه ..كما كان البعض منهم يعمل بوجهين متناقضين : نائب في البرلمان العراقي في النهار وبلطجي وارهابي في الليل ..
وان صح القول فهو يعمل بلطجيا في كل الحالات اذا كان يقود مجاميع ارهابية تمارس القتل على الهوية وتخطف الابرياء من قارعة الطريق وترمي جثثهم في بدون رؤوس واخطر من ذلك يكون البرلماني \"المحترم\" عاملا فاعلا في عمليات التفخيخ والتهجير ومصادرة اموال واملاك المساكين ..وبعض \"هؤلاء\" مازال يترحم على \"رئيسه\" السابق صدام حسين ويصفه على الملأ وامام القنوات الاعلامية والفضائيات وعلى رغم انف الشعب العراقي الذي اوصله الى هذا المكان ، يصفه بالرئيس \"الشهيد\" و\"المرحوم\" ومايزال يرفع العلم ذاته الذي اكتسح به \"السيد الرئيس\" دولة الكويت وضرب الابرياء من اخواننا الاكراد العزل بالنابالم والاسلحة الكيمياوية في عمليات الانفال سيئة الصيت كما جرى في حلبجة الشهيدة المظلومة واصفين الثوار الشرفاء من الكرد بالعصاة ومن العرب بالغوغائيين..
ويبدو ان د.المشهداني كان ادرى بجماعته من غيره بحكم القرب الوظيفي وتوافر المعلومات التي ما كان اغلبها خافيا عن الشارع العراقي الذي اكتوى بالكثير من تصرفات بعض البرلمانيين والسياسيين والنماذج التي لم تكن مؤهلة لشغل اية وظيفة حكومية او مهنة شريفة فضلا عن شغل منصب مهم وفي ظرف محوري عصيب ومرحلة توصف بالانتقالية الحرجة والخطيرة ،وصار هؤلاء \"نوابا\" بفعل سياسة التوافقات والتحاصصات العقيمة وفي برلمان كان من المفترض ان يكون البديل النوعي للبرلمان الصدامي الكاريكتيري الصوري ..كما كان يفترض ان يكون هذا البرلمان المؤسس على قواعد الديمقراطية والانتخاب الحر والنزيه والشفاف ، ان يكون نقلة ستراتيجية بين عهدين ،عهد استبدادي شمولي هوى واندثر وعهد \"ديمقراطي\" قائم وما تزال فيه الديمقراطية تحبو وبخطى \"سلحفاتية\" واثقة وفي طريق غربلة وكنس الطارئين والمرتزقة والطائفيين والشوفينيين والبلطجية وذوي السوابق ..
ان حادثة تفجير البرلمان العراقي لم تكن لتحدث لولا تورط بعض \"البرلمانيين\" من داخله وهم متورطون اصلا في خارجه بعمليات ارهابية مايؤكد ان هؤلاء لم يدخلوا العملية السياسية ومن ثم البرلمان اعتباطا او عن قناعة تامة بها وبحرص وطني مسؤول او عن دافع سياسي بحت ومن الباب الواسع المفتوح بالمفاتيح الديمقراطية الحرة وانما دخلها \"البعض\" من الشباك الطائفي والعنصري ليخربوا العملية السياسية من اساسها من خلال المواقع التي يشغلونها وبحماية الحصانة التي يتمتعون بها ومقوضين البناء الديمقراطي الهش وليدمروا المكتسبات التي حصل عليها الشعب العراقي بتضحياته الجسام وبحقد طائفي مقيت اعمى بصيرتهم كما اعمى تهافتهم ابصارهم وحجب عنهم حقيقة ان العراق لن يعود ثانية الى الديكتاتورية ولن يجد نفسه مرميا مرة اخرى في المربع الاول الذي يحاول هؤلاء ان يعيدوه اليه حسب ما تقتضي مصالحهم ..
وليس من باب ان الثور اذا سقط تكثر السكاكين التي تسلط عليه فلطاما سلط امثال النائب الهارب محمد الدايني ومن لف لفه حقده ومفخخاته وجرائمه على الابرياء وانما يجب ان تاخذ العدالة مسراها ومجراها وياخذ الشعب العراقي حقه من جلاديه ويأخذ هؤلاء استحقاقهم من العدالة ، وان كانت العملية السياسية هي المسؤول الاول عن دخول امثال الدايني الشارد الى اهم مفاصل الدولة العراقية وتغلغلهم في اخطر مناصابها فيتعين الاستعجال بتنظيم وثيقة الاصلاح السياسي ومراجعة كتابة الدستور العراقي الذي يقال انه كتب على \"عجل\" وتحديث آلية الانتخاب البرلماني ومراجع البند الذي يخص الحصانة البرلمانية مراجعة قانونية جريئة وفاعلة وتفعيل دور النزاهة واطلاق يدها في مد سلطاتها الرقابية لتشمل اعضاء البرلمان ، وهنا نتساءل كيف يكون البرلمان مؤسسة ذات سلطة رقابية اذا كان مليئا بالثغرات القانونية والدستورية والنماذج غير النزيهة؟! ..
ويبدو ان سيناريو قضية النائب محمد الدايني لم تكتمل فصوله الدراماتيكية بعد وماتزال الكثير من \"اللمسات\" تنتظر دورها لتخرج القضية بالمستوى المقبول رسميا والمقنع شعبيا سيما وان الموقف الحكومي الرسمي مايزال يكتنفه الكثير من الغموض خصوصا في ما يتعلق بمسألة هروبه من قبضة عمليات \"فرض القانون\" التي اعادت الامن والاستقرار الى بغداد وطهرت شوارعها من المليشيات والخارجين عن القانون ومن تنظيم القاعدة المجرم واعادت الدايني من الجو (وهو طائر) والذي \"تبخر\"بقدرة قادر على الأرض وفلت من \"فرض\" القانون وبرواية حكومية غير منسجمة مع خطورة المسألة وعسى ان لا يكون موقف الحكومة من هذه القضية متناغما مع النظرية التوافقية والمحصصاتية الفاشلة ذاتها ..
واذا ما سارت الأمور بالسيناريو الصحيح وبدون لف او دوران او تبويس لحى \"البعض\" فان سقوط الدايني وامثاله في ايدي العدالة وفي النسق الشفاف والنزيه سيكون ذلك ايذانا لسقوط العديد من النماذج التي تسترت وراء حجب العملية السياسية وتخندقت بمتاريس الحصانة البرلمانية سقوطا اشبه بالتهاوي التراتبي المتداعي لقطع الدومينو وان كان الدايني ليس اول او اهم قطعة دومينو يفترض سقوطها من زمان بعيد ولكن هو احد القطع التي ان سقطت ستتبدل الكثير من القناعات بجدوى مبدأ المحاصصة التي جلبت الكثير من الويلات على هذا الشعب.
انه سقوط طال انتظاره ثارا للشهداء الذين سالت دماؤهم بالمفخخات \"البرلمانية\" .
اعلامي وكاتب