- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
البرلمان العراقي ... قبة ام مسرح؟
قد يختلف معنا في الرأي الذي يذهب الى ان ما يجري تحت \"قبة\" البرلمان العراقي هذه الأيام هو نتاج طبيعي للمناخ الديمقراطي الذي انتعش مع تأسيس العملية السياسية بعد تغيير نيسان 2003 وهذا الرأي في عمومه وإطلاقه فيه الكثير من المصداقية يضاف اليه ان الكثير من برلمانات العالم تشهد الكثير من الممارسات التي تعد في صلب الهامش الديمقراطي المتاح ولكن ليس المفتوح على مصراعيه كما يتوهم البعض وذلك لكي لا تصبح العملية السياسية مجرد تنازعات فوضوية ومهاترات كيدية وتجاذبات وتخندقات على حساب الشعب والوطن والدولة وفي المقابل لكي لا تتحول قبة البرلمان من مؤسسة تتشارك مع غيرها من المؤسسات (التنفيذية والقضائية مع السلطات الممنوحة لها) لخدمة المواطن ولديمومة بوصلة الدولة بالاتجاه الصحيح ، تتحول هذه المؤسسة الى مسرح عبثي تعرض فيه المسرحيات الهزيلة هي ابعد ما يكون عن الممارسات البرلمانية والآلية الديمقراطية المتعارف عليها في هذا السياق ..
وآخرها وليس أخيرها المعمعات حامية الوطيس التي دارت على خلفية انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفا لرئيسه المستقيل د. محمود المشهداني وهو ما شكل ازمة سياسية وبرلمانية حادة كشفت عن اهم عورات العملية السياسية والمتمثلة و\"بجدارة\" واستحقاق تاريخي بالمحاصصة او التحاصص التوافقي كما تسمى في لغة سياسيينا وهذا ما اثر سلبا على أهم القضايا المدرجة في جدول أعماله (قضية المعاهدة الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية مثلا ـ والعشرات من مشاريع القوانين ) بحيث ألقت تلك المحاصصة بظلالها وتداعياتها على مجمل اداء البرلمان فضلا عن العملية السياسية برمتها وانسحب هذا كله على القوانين التي تخص حياة المواطن العراقي المغلوب على امره!! مثل مسالة إقرار الموازنة المالية العامة لهذا العام .. ان اغلب المنضوين تحت يافطة العملية السياسية يسبحون بذات التيار الذي يصب في مجرى المحاصصة ومن المستحيل العثور على يسبح عكس هذا التيار حتى وان صدرت طروحات خجولة من هذا وهناك توحي بان \"البعض\" يريد ان يغرد خارج السرب المحاصصاتي فهذا من باب الدعاية وتلميع الصورة فقط لأنه لولا التحاصص لم يكن باستطاعة أية جهة مهما كانت ان تلج العملية السياسية بمنهجيتها السياسية وطرحها الأيديولوجي وحده حتى تلك التي تدعي الوطنية والثورية وقد كشفت الانتخابات المحلية الاخيرة القناع عن كثير من هذه النماذج..فمن يريد الاصلاح عليه ان ينبذ الأسلوب السياسي غير الناضج الذي قفز من خلاله الى مضمار العملية السياسية فهكذا مطالبة تعد انتحارا سياسيا \"واستحمارا\" في غير محله..ولهذا السبب ترك السياسيون \"التوافق\" على حل شعرها لتختار من تشاء باعتبار ان منصب رئيس البرلمان ـ وهو من المناصب السيادية المهمة ـ هو \"طابو صرف\" لها كما ان بقية المناصب تخضع لنفس المقياس ولنفس النتيجة ..
وهكذا في عراق اليوم الذي ابتلي بالتحاصصات وبكافة انواعها كما ابتلي في عهده المظلم بالديكتاتورية فقد أصبحنا نرى الكثير من مفاصل الدولة العراقية انها صارت حكرا لازما لبعض الجهات او الشخصيات وصار الكثير من الوزراء والسفراء والمدراء ... معمرين في مواقعهم لايبرحون عنها مادامت العملية قائمة على هذا المنوال الذي جعل الكثير من مفاصل الدولة العراقية \"محميات\" طبيعية للبعض وتحولت الكثير من المؤسسات الى كانتونات وقلاع حزبية وفردية كما استحالت بعض المناصب (ومنها السيادية) الى بقرة حلوب للحبايب والاقارب ووفق نظام المجاملة و\"الاتكيت\" الفئوي العقيم ولكن على حساب المصلحة الوطنية العليا وكأن العراق قد خلا من العناصر الكفوءة ومن التكنوقراط ؟
ونقول : اذا كانت استقالة د. المشهداني المدوية قد فجرت ازمة حادة ادخلت اعضاء البرلمان في جدل بيزنطي فارغ وهم لحد الان بانتظار ان تتفضل وتتحنن وتتكرم جبهة التوافق لتقديم مرشحها الذي من المفترض ان يحظى باجماع التوافق اولا وباجماع البرلمان ثانيا وبعد الدوران في الحلقة المفرغة مابين التوافق والبرلمان ومابين البرلمانيين انفسهم ..واذا كانت هذه المسألة قد كشفت عن احدى عورات العملية السياسية في البلد فكم من عورة وعورة ستنكشف اذا تكررت عملية الاستقالة من قبل بعض السياسيين و\"السادة المسؤولين\" ؟؟ وكم من ورقة توت ستسقط ..الله اعلم
اخيرا
ان الفرق شاسع جدا مابين برلمان هو قبة لخدمة الشعب وبرلمان هو مسرح لمسخرة الشعب..
عباس عبد الرزاق الصباغ