
لم يتأثر بأزيز الرصاص الذي اطلقته مئات البنادق التي يحملها ارهابيو "داعش" والعشائر المتعاونة معهم، ولم يهتز وهو يرى تساقط اجساد زملائه الجنود، وما استغاث او طلب الرحمة او العفو ولم يبكي او يخاف او يرتجف، وما طلب شيئا لنفسه او لدنياه او توسل باحد من هؤلاء المجرمين العتاة، وهو المنغمس بحب محمد وآل محمد وهو العاشق للحسين والذي يحيي جميع مناسباتهم وهو الخادم لزوارهم، الذي رضع حب العترة الطاهرة من ثدي امه، لم يطلب الا ان يصلي ركعتين كما طلبها امامه الحسين (عليه السلام) في ساحة الموت بطف كربلاء الخالدة، وقف شامخا غير خائف وتوجه الى القبلة وكبر وبدأ صلاته، فارعبهم وهز كيانهم فلم يمهلوه ليكمل صلاته، وقالوا عنه انه رافضي فقتلوه، وذهب شهيدا الى الله فخرا لكل الشباب وللعراق، فقد اخزاهم واذل كبريائهم ومرغ انفوهم بالوحل، ولم تستطع كل ماكنتهم الاعلامية وما يقف ورائها من وسائل اعلام من اخفاء هزيمتهم واعلان نصره عليهم، انه الشهيد "علي المعموري".
طفل مميز
تتحدث والدة الشهيد "هيام حميد عيدان" وقلبها يعتصره الالم والدموع تترقرق في عينيها لوكالة نون الخبرية عن "علي" الابن وحياته وتقول" انا والدة شهيد الولاية "علي حسن فليح المعموري" الذي ولد عام (1992) في مركز مدينة الحلة حيث كنا نسكن سابقا، وهو الثالث في ترتيب اولادي الخمسة حيث سبقه بالولادة كرار واخته وبعده حيدر وزين العابدين وكان معروفا بالهدوء والاخلاق ومحبوب من جميع اصدقائه والاقارب والجيران، وكذلك كان منذ طفولته شجاعا بالحق ولا يعتدي على احد لكنه لا يسكت عن ظيم او باطل، وامتاز بأنه صاحب نخوة يفزغ للملهوف ويساعد المحتاج حتى وصل الامر به وهو صغير انه يعطي "قميصه لاي صديق يقول له ان قمصيك جميل"، وكان تلميذا مجتهدا في الدراسة وبعد ان نال شهادة الدراسة المتوسطة ترك الدراسة ليتجه الى العمل لمساعدة والده على توفير لقمة العيش لنا ايثارا منه".
حسيني منذ الصغر
وتستمر والدة الشهيد بسرد قصة ولدها وتعلقه بالامام الحسين (عليه السلام) وهي تقول" اني ولدي "علي" محب للحسين (عليه السلام) منذ فطرته كما هو حال جميع الفقراء والاغنياء الذي يولد بداخلهم هذا الحب منذ الصغر، وكنت اصطحبه مع اخوته الآخرين وهم صغار الى مجالس العزاء الحسيني والمحاضرات الدينية في المساجد والحسينيات وابقى انتظرهم خارجها حتى تتنهي واعيدهم الى البيت، وحرصنا انا ووالدهم على تعليمهم الالتزام الديني والعبادات حتى كانوا يصرون وهم صغار ولم يصلوا الى سن التكليف على احياء ليالي القدر في مسجد قريب من بيتنا، وكثيرا ما جاؤوا من المحاضرات الدينية والمجالس الحسينية لينقلوا لنا في البيت ما دار فيها، وكان رجلا في المنطقة اسمه "ابو غفران" رحمه الله يحرص على تشجيع الاطفال على احياء ليلة القدر واتكفل انا بتحضير طعام السحور والمعجنات والحلويات والشاي لهم، وفي سنوات دراستهم له محبة كبيرة بين زملائه ومحبة خاصة من معلميه واساتذته، بل وصل الامر ببعضهم انهم لا يصدقون انه استشهد ويقولون ان الفيديو الذي ظهر به مفبرك وغير حقيقي، وعندما سقط نظام الطاغية المقبور وفرجت الامور ومورست الشعائر الحسينية بحرية، كان يشارك وهو بعمر (15) عاما في جميع الشعائر ويبدأ عمله بخدمة الزائرين "المشاية" في بابل على طريق كربلاء المقدسة في موكب "جابر الانصاري" ويشارك بمواكب اصدقائه الاخرى، ويقوم ليلا بتوزيع الزوار الراغبين بالمبيت على بيوت المنطقة التي تستقبلهم، كما ان عنده عادة غريبة وهي "انه لا يأكل من طعام المواكب" وياتي دائما ليلا يطلب الطعام وعندما استفسر منه ان المواكب تقدم مختلف انواع الطعام يخبرني انه "زاد ابي عبد الله للزوار وليس لي".
الانتقال الى كربلاء
وتضيف "ام كرار" انه بالمطلق حسيني ويحرص على تقدينم افضل الجهود لخدمة الزائرين فبمجرد ملاحظته لقلة سير الزائرين في محافظة بابل ينتقل سيرا على الاقدام الى موكب آخر لاهالي بابل في مدينة كريلاء المقدسة ليستمر بتقديم الخدمة للزائرين لمدة تتراوح بين اسبوع او عشرة ايام لحين انتهاء الزيارة الاربعينية في العشرين من صفر، كما يحرص على تقديم الخدمة كل عام مع الموكب في ذكرى استشهاد الامام السجاد (عليه السلام)، والمشاركة في مواكب العزاء واللطم والزنجيل، ناهيك عن زيارة الحسين (عليه السلام) في ليالي الجمعة وزيارة الائمة في جميع مناسبات استشهادهم، وكثيرا ما تكفل بجمع الحطب للمواكب او من لديه مناسبة دينية لمساعدته على اعداد الطعام الذي كان يطبخ على الحطب سابقا واغلب من لديه مناسبه يدعوه للمشاركة فيها، وكان عمله قصابا وعندما لم يدر عليه ربحا مارس كثير من المهن مثل الصباغة والبناء وغيرها، وما يحصل عليه من مال يقسمه بين نفقات العائلة والتبرع للموكب واحتياجاته، لذلك منذ سنة استشهاده والى الآن يقوم موكبا "الجمهور الحسيني" و"جابر الانصاري" باقامة شعيرة يوم القاسم ابن الحسن وخصصوها له وتنشر صوره ويحيون ذكره بوضع صواني الجكليت والحناء والياس ويقومون بزفافه مع القاسم ابن الحسن، وفي السنوات الاخيرة قام شباب المنطقة بتأسيس موكب خاص وخصصوا ليلة القاسم لاحياء ذكرى شهدائنا الشباب".
العسكرية والقتال
شاركنا شقيق الشهيد"حيدر المعموري" اطراف الحديث عن دور الشهيد في خدمته العسكرية واحداث سقوط المحافظات قائلا" كان اخي "علي" قد تطوع منذ عام في الجيش العراقي وتشهد له السواتر بالشجاعة والاقدام، وعندما سقطت مدينة الموصل وبعض مناطق الانبار، وردنا اتصال من "خالي" يبلغنا ان المدن بدأت تسقط وابلغوا "علي" بالانسحاب والعودة الى بابل، ولكنه رفض الانسحاب والعودة مؤكدا ان الامور طبيعية في محيط قاعدة سبايكر، واتصلت به الساعة الحادية عشرة من صباح الحادي عشر من حزيران من العام (2014)، بعد محاولات كثيرة، بسبب اعطال تصيب الهاتف او كسر اثناء تحركهم بالعجلات العسكرية واحتفظ عندي بعدد من هواتفه التي اعطبت، واضطر لوضع شريحة هاتفه في هاتف صديقه من جيراننا الذي استشهد معه ليصبح الهاتف مشترك بينها، وكان المعتاد نزوله باجازة لمدة اسبوع بعد الدوام لمدة (21) يوما، وفي حادثة استشهادهم استمر (35) يوما بالدوام ونفذت العملية عليهم في يوم (36) من التحاقهم بالدوام، واخبرني في ليل نفس اليوم جاءت سيارات نوع "سلفادوري" سوداء اللون اجتمعت مع آمر المعسكر وبعدها بلغنا الضباط المسؤولين عليهم اخبروهم بضرورة نزع الملابس العسكرية وترك السلاح وعدم حمل اي قطعة منه، وسلمونا هويات الاحوال المدنية الخاصة بنا او باقي الوثائق، وابلغونا بالخروج من المعسكر صباح يوم (12) حزيران والذهاب الى بيوتنا، واستمريت بالكلام معه طوال الليل وآخر اتصال كان صباحا بيننا، وحذرته كثيرا من هذا الاجراء، واتصلت به صباحا فأكد لي انه يسير مع الجنود الذين يسيرون الآن مثل "مشية كربلة" ويقصد بها سير الزائرين في الاربعينية، بعد ان فتشونا في الباب ومنعونا من حمل السلاح وشاهدت فيديو له وهو يسير مع الجنود ويتكلم بالهاتف".
الغدر والجريمة
ويسترسل "حيدر" بسرد قصة ما جرى لاخيه وزملائه بالقول" تبين بعدها ان هناك اتفاق مع الارهابيين وعدد من افراد عشائر صلاح الدين وهم " البو ناصر والبو عجيل والبيجات وغيرها" للغدر بهم، وايهامهم بأن سيارات ستنقلهم الى تقاطع قضاء بلد ومنها لمحافظاتهم، وتسلم ارهابيوا "داعش" والعشائر المساندة مجموعة منهم ليأخذوهم الى ساحات ومناطق ويتفننوا بقتلهم بخسة وغدر ونذالة وكان خطابهم الطائفي الانتقامي واضح من خلال المقاطع الفيديوية التي نشروها، وانقطع الاتصال به، وشاهدنا مقطع لمجزرة "سبايكر" بعد عام وشهرين من الحادث ونحن لا نمتلك اي معلومة عنهم، وسقطت محافظة صلاح الدين بأيدي الارهابيين من عصابات "داعش" وصعب الوصول اليهم، ولم يستطع مقاتلوا الحشد الشعبي من تحرير او دخول تكريت الا في العام (2015)، وعندما بثت القنوات الفضائية تقارير عن الانتصارات المتحققة على الدواعش في صلاح الدين قامت ما تسمى بولاية صلاح الدين في عصابات "داعش" بنشر فيديو لرفع معنويات ارهابييهم، لكن المقطع الذي يظهر به شقيقي "علي" مقتطع منه، ورغم ما رسخ في اذهاننا من ان "علي" استشهد مع رفاقه، الا ان املا بقي لدينا لانه لم يظهر في اي فيديو، ثم بثت قناة العراقية فيديو يظهر (22) مجرما تلطخت ايديهم بدماء شهداء "سبايكر"، وعندها وكرد فعل من الارهابيين قاموا بنشر مقطع فيديو باصدار جديد عن مجزرة "سبايكر" ظهر فيه اخي "علي" وهو يطلب الصلاة وانزلوه بمفرده على انه "رافضي" وقاموا باغتياله، وهنا تيقنا من استشهاده على ايدي اقذر الارهابيين، والى الآن لم نعثر على جيثته، ونحن نفتخر بما فعله "علي" من شموخ وبسالة وصلابة امام مجرمين يقتلون الشباب بدم بارد، لانه وقف امامهم وكأنهم غير موجودين ولم يطلب الرحمة او العفو بل طلب كما طلب امامه الحسين (عليه السلام) اداء الصلاة في ساعة اشتد بها القتل والبطش بشباب اعزل من السلاح اخذ غدرا، وفي الخامس والعشرين من شهر رمضان حاول افراد العائلة والاقارب والاصدقاء اخفاء الخبر عن والدتي الصائمة والحزينة على فراق ولدها، ولكن قلبها علم عندما تجمع وتردد الكثير منهم في دار الشهيد وطلبوا من الجميع عدم اعلان الخبر الا بعد الافطار خوفا على الام التي كانت ترتدي السواد حزنا على استشهاد امير المؤمنين (عليه السلام) فاخبروها وعقد لسانها وعينيها تسيل بالدمع وصعب عليها الكلام، فجلس امامها ولدها "كرار" ليقول لها "يمه افرحي وارفعي راسج ابنج شهيد".
قاسم الحلفي ــ بابل
أقرأ ايضاً
- لا تتوقف في العطل الرسمية.. عمليات جراحية فوق الكبرى يجريها مستشفى السفير على مدار الساعة مجاني على نفقة العتبة الحسينية
- هل تفي الحكومة بوعد وقف استيراد الغاز بحلول عام 2028؟
- نواب الوسط والجنوب يشكون "حيف" الموازنة: راعت كردستان فقط