
خلال شهرين فقط تهدمت اركان عائلة كربلائية فقيرة، فالأم كانت مريضة وتعاني من مشاكل عدة توفت بجلطة قلبية، وبعد شهرين فقط شاء القدر ان يتعرض الاب الى حادث سير فقد جراءه حياته ليترك الابوين ثلاثة اطفال ولدان وبنت، لم يبقى لهم مأوى او معيل او احد يرعاهم، وضعوا على طريق اظلم لا سبيل لإنقاذهم، ولا يد تمتد لتنتشلهم من الضياع او المستقبل الغامض، فقد يتحولوا الى لقمة سائغة لتجار الاعضاء البشرية او المجرمين او عصابات التسول وغيرها، لكن ما ان وصل خبرهم الى "دار الوارث للايواء والتأهيل المجتمعي" في هيئة الصحة والتعليم الطبي التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، حتى مدت لهم يد المرجعية الرحيمة لتنتشلهم من المصير الاسود، وتسكن البنت في دار ايواء البنات ويوضع الولدان في دار ايواء الاولاد ويصبح احدهم لاعب كرة قدم موهوب يتوقع له مستقبل باهر.
اقدار وبلاء
تحدث الصبي "حسن هادي عباس" البالغ من العمر (١٦) عاما لوكالة نون الخبرية عن قصته وما جرى له ولاخوته من اقدار وبلاء وضيم ومرارة قائلا" نحن عائلة مكونة من (٥) افراد اب وام وولدين وبنت تسكن في محافظة كربلاء المقدسة توفت والدتي نهاية العام (٢٠١٩) بسبب اصابتها بجلطة قلبية، وبعدها بشهرين توفى والدي جراء حادث مروري، وبسبب عدم وجود احد من الاقارب يتكفل برعايتنا، جئت مع اخي واختي الى الدار في العام (٢٠١٨) عن طريق بعض الاشخاص الذين يعرفون ما يقدم فيها من خدمات ورعاية عندما كان عمري (٨) سنوات وادرس في الصف الثالث الابتدائي، وعندما تلقفتني ايدي الرحمة في الدار على الفور سجلوني في مدرسة الإباء الابتدائية لاستمر بدراستي، وانهيت الدراسة الابتدائية وباشرت بالدراسة المتوسطة في متوسطة لقمان الحكيم، وهذا النجاح والتفوق لم يتحقق لولا وجود صفوف تدريسية للتقوية في الدار، ومتابعة للواجبات اليومية، وتحضير الواجبات والاستعداد للامتحانات اليومية والفصلية والمنهجية من قبل اساتذة مختصين وفرتهم الدار، وتعليم يومي بعد عودتنا من المدارس او قبل ذهابنا لها، وتصاعدت مستوياتنا العلمية، ومع كل هذا الاهتمام العلمي توفر لنا السكن اللائق، والطعام الجيد، والرعاية الصحية، والملابس الجديدة، وقاعة للتدريب على تمارين القوة، وساحة لممارسة كرة القدم، كما وفرت لنا الدار سفرات ترفيهية في ايام العطل الرسمية، وكذلك زيارة المراقد الدينية في العراق، وركز المسؤولون في الدار على تنمية الهوايات لدينا وتعليمنا عدد من المهن المهمة، مثل فتح مرسم لتنمية هواية الرسم لدينا، وكذلك انتظمنا في دورة للتمثيل، ودورات اخرى لتعليم الخياطة، والحلاقة، والحاسوب، والصيانة ، والكهرباء".
لاعب كرة قدم
تعلق قلب "حسن" بلعبة كرة القدم وظن انه سيفارقها مرغما لانه اصبح يتيما بلا رعاية او معين، ولكنه وجد ضالته في الدار ويوضح هذا الامر بالقول انا" شغوف بكرة القدم منذ صغري، وعندما وجدت ساحة نظامية في الدار وكرة قدم، رميت بكل ثقلي في الساحة وشاهد الباحثين مهارتي فقرروا ان يضعوني على الطريق الصحيح، وقام الاستاذ "مهدي" بتسجيلي في اكاديمية العميد وهي افضل جهة متخصصة بكرة القدم في محافظة كربلاء المقدسة، بعد طرح اسمي ومهاراتي على المسؤولين فيها، وباشرت فعلا معهم وانا اعيش في حلم ان اكون يوما مرتديا لزي كرة القدم او العب بملعب حقيقي، وبرعت في تقديم مستوى جيد في الاكاديمية ما دفع المسؤولين فيها الى دعوتي الى فريق الاشبال التابع لنادي كربلاء الرياضي لاصبح لاعبا رسميا فيه، وهذه هي السنة الاولى التي امثل فيها النادي، واصبحت موضع اهتمام من جهتين مهمتين هما "دار الوارث للايواء والتأهيل المجتمعي"، واكاديمية العميد التخصصية لكرة القدم، وهذه الاجواء عوضتني عن ما فقدته من اجواء عائلية وروابط اجتماعية، حيث اصبح الدار بيتي ونحن النزلاء فيه اصبحنا جميعا "اخوة" والمربين والباحثين آبائي واساتذتي، ونتلقى رعاية انسانية رحيمة وابوية منهم، كما تكونت لدي صداقات مع اللاعبين في الاكاديمية وفريق اشبال نادي كربلاء والمدرسة التي ادرس فيها، بعد ان كنت واخي واختي وحيدين مهملين متروكين، وانا الآن لا اشعر بالوحدة او اليتم لاني اصبحت اعيش حياة طبيعية بفضل العتبة الحسينية المقدسة ودار الايواء التابع لها، وتعلمت على تنظيم وقتي عبر النظام الذي وضعه اساتذة الدار بين الدراسة والتدريب على كرة القدم واللعب في المباريات من خلال الذهاب الى المدرسة والراحة لساعة واحدة وتحضير الدروس مع الاساتذة في الدار، حيث اصبح هدفي من الآن تمثيل نادي كربلاء الرياضي في البطولات الرسمية، كما اسعى لتحقيق الدرجات العالية في المدرسة لأنجح وانال الشهادة العالية"، مشيرا الى انه" لن يترك الدار ابدا لانها تحظى برعاية العتبة الحسينية المقدسة التي تحرص على توفير الامان، والتعليم، والرعاية، والمستقبل الزاهر لنا، وبعد حياة قضيتها بالخوف والرعب من المجهول، اصبحنا انا واخي في هذه الدار وهو يعاني من مرض وراثي ويتعالج منه بفضل الدار واختي في دار ايواء البنات تتلقى افضل الرعاية".
الجهود النبيلة
يعمل منتسبوا الدار بهمة وجهود نبيلة وعزيمة وانسانية كبيرة يقول عنها الباحث "مهدي صلاح مرزا" لوكالة نون الخبرية ان" طريقة قبول النزيل في الدار تتم لدينا بطريقتين الاولى عبر الكشف المباشر من منتسبي الدار على المستفيد واتخاذ القرار حسب الحالة واستقطابها او تحويلها على جهة اخرى، والثانية الاستقطاب عن طريق المحاكم او الدوائر الرسمية و"المشتركات" التابعة للعتبات المقدسة، وكان قبول "حسن" واخته واخيه عن طريق الكشف المباشر من قبل الباحثين على الدار التي وجدت بحالة يرثى لها وتفتقر لابسط مقومات العيش الكريم، واستقبلنا "حسن هادي" واخيه واخته، ووضعناهم في دور ايواء الاولاد والبنات بعد ان وجدناهم بوضع مأساوي جدا، ويعاني والدهم من مرض نفسي وراثي هو الاضطراب الذهني، وقد ابلغنا الاطباء المختصين انه قد ينتقل الى اطفاله، وبمرور الزمن اصيب بالفعل اخيه "علي" بهذا المرض والدار مستمرة بعلاجه الى هذه اللحظة، اما الطفل "حسن" فأعتبره قصة نجاح منطلقا من كوني باحث اجتماعي في الدار ورياضي لعبت في الفئات العمرية واندية الدرجة الاولى، وبمجرد مشاهدتي له يلعب كرة قدم في ساحة الدار لمست موهبته البارزة في اللعب التي تميز بها عن جميع نزلاء الدار من اقرانه، وعلى الفور ومع جميع البرامج والدورات والورش والخدمات التي تقدم لهم في الدار، قمنا بالتنسيق مع مسؤولي اكاديمية العميد التخصصية لكرة القدم في محافظة كربلاء المقدسة وخاصة مدير الاكاديمية "وائل المياحي" وباقي العاملين الذين كان لهم دور مميز وشاركوا في تنمية مواهب الاولاد في الدار واعفوا نزلاء الدار من جميع الاجور التي تترتب على المشاركين للتدريب في الاكاديمية، بعد اجراء مباراة بين لاعبي الدار ولاعبي الاكاديمية كان الهدف منها مشاهدتهم للمواهب الموجودة في الدار، تم استقطاب (5) من نزلاء الدار ليلعبوا في الاكاديمية وفي مقدمتهم "حسن هادي" الذي ما زال مستمرا معهم للسنة الرابعة على التوالي حتى وقع في هذا العام عقدا احترافيا ليلعب في الفئات العمرية مع نادي كربلاء الرياضي ضمن فريق الاشبال في الدوري العراقي، واستطيع القول ان علاج "حسن" تخطى ماضيه المرير عن طريق ممارسة هوايته المفضلة والتقدم في الرياضة، وانعكس ايجابا على مستواه الدراسي الذي ارتفع بشكل ملحوظ، بعد ان شعر بأهميته ودوره وكيانه في المجتمع، بل اصبح من المتميزين بالدار سواء على مستوى النظافة الشخصية او التفوق العلمي والرياضي والالتزام الديني في اداء العبادات والواجبات، والتزامه بجميع الواجبات في الدار واصبح محط احترام للجميع هنا من المدربين والباحثين واقرانه".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- بدعم كبير من العتبة الحسينية.. متحف "الذاكرة البصرية" سيفتتح في كربلاء بـ(4500) كاميرا قديمة ومعداتها(مصور)
- بمشاركة (14) اعدادية مهنية.. العتبة الحسينية تقيم الملتقى والمعرض السنوي الاول لدعم التعليم المهني
- فقد والده "المصري" ووالدته العتبة الحسينية تحول طفل ضائع من صلاح الدين لممثل وخياط ومتفوق دراسيا