
قبيل هجمة عسكرية أمريكية – إسرائيلية محتملة على إيران، حذرت الأخيرة دول جوارها الإقليمي وعلى رأسها العراق من أي أعمال عسكرية غربية تنطلق من قواعدها أو تمر بأجوائها، وهو تحذير وصفه مراقبون بأنه بروتوكول دفاعي لتجنب الحرب عبر التصعيد، وفيما رجحوا انطلاق الهجمات إذا ما تمت من قواعد بحرية وحاملات طائرات، أكدوا عجز الدول الإقليمية ومنها العراق، عن فعل شيء بسبب ضعف منظومات مراقبة الأجواء والموقف السياسي.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات، أحمد الياسري، إن “ما قامت به إيران من إرسال إخطارات إلى العراق والدول المجاورة هو بروتوكول دفاعي، فليس بالضرورة أن تبلغ العراق بأن لا يكون ساحة لاستهدافها، لأنها استهدفت منذ فترة من قبل إسرائيل باستخدام الأجواء العراقية، وإيران تدرك هذا، إنما هي محاولة لتضييق فرص الدعم الإقليمي لأي ضربة عسكرية”.
بروتوكول دفاعي
ويضيف الياسري، أن “إيران تريد إرسال رسائل سياسية وعسكرية للجانب الأمريكي والإسرائيلي بأنها جاهزة وستستهدف إسرائيل والقواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة العربية، وهو نوع من أنواع الحرب النفسية لتقليص مساحة الأريحية لدى الجانب الأمريكي”، لافتا إلى أن “إيران نجحت في ذلك، إذ بدأ صوت عملية الضربة الموسعة يخفت، لذا فإن اتجاهات إيران الحقيقية التي يجب أن تقرأ من هذه الإخطارات هو تصعيد لهجة الحرب من أجل السلم وعقد اتفاق”.
وحول مكان انطلاق العمليات العسكرية إذا ما تمت، يرى أن “الضربة إذا حصلت لن تكون من المناطق المجاورة، فالسلاح الذي سيستخدم لقصف إيران غير موجود في المنطقة، إلا بعض القاذفات البسيطة الموجودة في قاعدة العديد بقطر التي تعتبر مسرح عمليات منطقة الشرق الأوسط”.
وحذرت إيران سلطات العراق والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا والبحرين، عبر إخطارات أرسلتها، من أن أي دعم لهجوم أمريكي على إيران، بما في ذلك استخدام المجال الجوي أو الأراضي خلال الهجوم، سيعتبر بمثابة اعتداء من جانب هذه البلدان وستكون له عواقب جدية.
كما نقلت وسائل إعلام عن “مصدر مسؤول”، بأن رئيس أركان الجيش العراقي عبد الأمير يار الله تسلّم برقية من رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري، تضمنت إبلاغ الجانب الأمني العراقي بأن إسرائيل جاهزة لشن هجوم جوي مدعوم من الولايات المتحدة على إيران باستخدام الأجواء العراقية.
موقف معقد
أما مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، فيجد من جهته، أن “موقف العراق من الأزمة الراهنة واحتمالات اندلاع الحرب بين طهران وواشنطن، معقد جدا بوصفه حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة، كما تنتشر على أراضيه منظومات أمريكية وألوية مسلحة للحرب على الإرهاب والدعم اللوجستي للجيش العراقي”.
لكن فيصل، يشير إلى أن “هذه القواعد لا يمكن لها المشاركة في العمليات الحربية ضد إيران بوصفها مصممة للقيام بعمليات هجومية ضد المنظمات الإرهابية من جهة، وأيضا هناك بعض الفرق الأمريكية مهمتها الاستشارة والتدريب فقط من جهة أخرى”.
ويرجح فيصل أن “تنطلق الصواريخ والطائرات من القواعد الموجودة في منطقة الشرق الأوسط والتي تبلغ أكثر من 45 قاعدة عسكرية وجوية أمريكية إضافة إلى وجود 33 ألف جندي أمريكي، وارتفع هذا العدد مؤخرا إلى أكثر من 50 ألفا، وقد تنطلق العمليات العسكرية من حاملات الطائرات الأمريكية الموجودة في الخليج أو البحر الأحمر أو حتى المتوسط”.
وفيما يستبعد أن “تنطلق أي عملية عسكرية أمريكية من الخليج أو البحر الأحمر مرورا بالأجواء العراقية”، يتوقع أن “تمر المقاتلات الإسرائيلية عبر العراق لقصف مواقع استراتيجية في قلب إيران لاسيما البرنامج النووي”، منبها إلى أن “العراق لن يستطيع فعل شيء لأن الطائرات التي تستخدمها إسرائيل هي طائرات الشبح F35 وهي طائرات غير مرئية للرادارات العراقية ولا للمنظومات الدفاعية”.
ويخلص مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن “الرسائل التي وجهتها إيران مجرد تهديدات بروتوكولية تقوم بها على صعيد الأزمات التي تندلع مع واشنطن وتل أبيب، حيث تبدأ بتهديد دول الجوار بالرد إذا ما انطلقت الأعمال الهجومية عليها، لذا فهي لردع الدول المجاورة لعدم استخدام أجوائها للهجوم على إيران، وعمليا لن يستطيع العراق أو حتى دول الخليج العربي فعل شيء لأنها لا يمكن لها أن تتصدى لهذه المقاتلات المتطورة”.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد هدد في مقابلة مع شبكة “إن بي سي” في نهاية آذار الماضي بـ”قصف لم يسبق له مثيل” إذا لم تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، مضيفا أن واشنطن وطهران “تتحدثان” حاليا.
وتواصل الولايات المتحدة تحشيدها العسكري في الشرق الأوسط بالتزامن مع حملة تشنها على الحوثيين في اليمن، إذ أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الخميس الماضي، إرسال حاملة طائرات ونشر طائرات حربية إضافية لتعزيز الأصول البحرية الأمريكية.
رسائل ردع
من جانبه، يعتبر الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، تحذيرات إيران “رسالة ردع موجهة للدول الإقليمية لتحييد نفسها عن أي عمل عسكري أمريكي محتمل، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة”.
وبالنسبة للعراق، يقول التميمي، إنه “محور حساس، إذ يحتضن قواعد أمريكية ويقع ضمن مجال النفوذ الإيراني، ما يجعله في موقف معقد بين ضغوط واشنطن وطهران. فالتحذير الإيراني يعكس استعداداً لتوسيع رقعة المواجهة إذا تم استخدام الأراضي أو الأجواء المجاورة ضدها، ما يفرض على العراق انتهاج سياسة حياد دقيقة لتفادي الانزلاق إلى صراع إقليمي قد تكون له تداعيات أمنية واقتصادية جسيمة داخلياً”.
ويضيف: “في قضية العراق، فأن ايران تعلم أن الولايات المتحدة أو إسرائيل قادرة على اختراق الأجواء العراقية بسهولة لعدم توفر الإمكانات الدفاعية أو الردع السياسي تجاه واشنطن والدليل أن بغداد لم تتمكن من رد الهجوم الصاروخي الإيراني عامي 2022 و2024 الذي تبناه الحرس الثوري الإيراني حينما قصف إقليم كردستان بصواريخ باليستية”.
ويعتقد أن “موقف الحكومة العراقية يتسم بالحذر والتوازن، إذ تسعى لتجنب الانحياز في صراع أكبر منها، خصوصاً بين واشنطن وطهران، إذ تحاول بغداد الحفاظ على سيادتها واستقرارها الداخلي، عبر تجنب استخدام أراضيها للهجمات، مع الحفاظ على علاقاتها مع الطرفين تجنبا لأي تصعيد يهدد أمنها الوطني”.
وينتظر الشرق الأوسط ما تسمى بـ”الحرب الكبرى” بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعدما وصلت تهديدات واشنطن وردود طهران إلى ذروتها، ويرى مراقبون أن العراق هو المتأثر الأكبر من تداعيات هذه الحرب بسبب قربه من إيران وارتباطه الأمني معها، واعتماده عليها في ملفات الغاز والطاقة الكهربائية، محذرين العراق من تداعيات وخيمة في حال تم إطلاق “رصاصة في الهواء” من قبل أي فصيل عراقي.
بروباغندا تهويلية
إلى ذلك، يشير المحلل السياسي، علاء الخطيب، إلى أن “العراق في قلب العاصفة وهو من أوائل المتضررين في المنطقة من هذه الحرب إذا ما حدثت، لأنه حلقة الوصل بين الطرفين وفيه موطئ قدم لكل منهما (أمريكا وإيران)، وربما هناك فصائل عراقية ستنتخي لإيران إذا ما حدثت المواجهة، وهؤلاء هم من سيفاقمون الأوضاع”.
لكن الخطيب، يستبعد “حتى الآن” حدوث صراع أو مواجهة، مؤكدا أن “ما يحدث الآن عبارة عن بروباغندا تهويلية لشكل الصراع الإيراني الأمريكي، لأن التكلفة الأمريكية كبيرة لاسيما مع مواجهة الحوثيين حاليا”.
وإذا ما حدثت المواجهة، يوضح أن “إيران ليست لوحدها في هذه الساحة، فهذه المواجهة ستترك عواقب وخيمة على الشرق الأوسط، كأن تغلق إيران مضيق هرمز أو تضرب القواعد الأمريكية في المنطقة، فستكون ثمة ردة فعل أمريكية قوية وقد تستخدم أسلحة غير تقليدية”.
ويتابع بالقول، إن “المشهد عند تفكيكه على الطاولة، يظهر أن الولايات المتحدة تريد أن توجه ضغطا كبيرا جدا على إيران بعد أن عجزت عن الضغط عبر العقوبات التي لم تزعزع الوضع الداخلي، فإيران دولة عقائدية ثيوقراطية يصعب تحطيمها إلا بطريقة العدوان الخارجي”.
كما يستبعد الخطيب حدوث مواجهة لجهة أن “هناك مفاوضات أمريكية إيرانية غير مباشرة تجري في عُمان، بالإضافة إلى رسائل سعودية وقطرية للولايات المتحدة للتريث في أمر العملية العسكرية”.
وأمهل ترامب، طهران مدة شهرين للتوصل لاتفاق نووي جديد، قبل أن ينفذ عملا عسكريا ضد منشآتها النووية بحسب رسالة بعث بها للمرشد الإيراني علي خامنئي، خلال آذار الماضي، فيما رفض الأخير هذه التهديدات، مؤكدا أنها “لن تجدي نفعا”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- أسبوع من الرفض.. هل اجتهد السوداني في دعوة الجولاني؟
- تركيا وBKK.. هل يغادران العراق بعد مبادرة السلام؟
- المصارف العراقية وواشنطن.. هل ستؤدي "المصالح الحزبية" لأزمة كبيرة؟