شهدت الأيام الماضية قصفا تركيا غير مسبوق، استهدف مناطق واسعة في محافظة السليمانية، ولم يقتصر هذه المرة على المواقع الحدودية والقرى الجبلية، بل طال مناطق داخل المدينة، موديا بحياة مواطنين متهمين بالانتماء أو التعاون مع حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة.
وفيما اتهم سياسيون معارضون في السليمانية، الأجهزة الأمنية بالتخابر مع الجانب التركي، وانتقدوا صمت الاتحاد الوطني الكردستاني “يكتي” الحاكم، نفى قيادي فيه بوجود اتفاق سري بين حزبه وأنقرة، ينص على التخلي عن حزب العمال الكردستاني والجهات المعارضة لتركيا، مقابل عودة العلاقات مع تركيا.
وبهذا الصدد، يقول السياسي الكردي المعارض، حكيم عبد الكريم، إن “الضربات الأخيرة للطائرات التركية، تؤكد وجود خيانة وتجسس من داخل السليمانية، بسبب دقة الضربات”.
وتعرضت قرى في قضاء ماوت، ضمن محافظة السليمانية، في مطلع أيلول الحالي، من قبل طائرات مسيرة تابعة للجيش التركي، بحسب ما أعلنه قائمقام القضاء، فيما تواصل الطائرات التركية استهداف قرى قاميش، كلالة، سفرە، بردبرد، وباساوة في ذات المنطقة.
ويوضح، أن “تلك الضربات أدت لاستهداف عدد من الإعلاميين والمعارضين لتركيا أيضا”، مبينا أن “هذه الخيانة تتنوع إلى شكلين، أولهما تصرف وعمالة فردية، وثانيهما خيانة من الأجهزة الأمنية الحزبية”، متهما بعض القيادات الكردية بـ”خيانة القضايا الكردية دون وازع أخلاقي وقومي”.
وينتقد عبد الكريم، الاتحاد الوطني الكردستاني بـ”تخفيف اللهجة العدائية ضد تركيا بعد اللقاء الذي جمع نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني مع السفير التركي مؤخرا”، ملمحا إلى وجود اتفاق سري بين الطرفين يقضي بتصفية حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة داخل السليمانية.
ويشير إلى أن “الاتحاد الوطني بعدما رأى صمت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، التزم الصمت هو أيضا، كونه لا يريد زيادة الخلافات مع تركيا، والمزيد من التضييق على السليمانية”.
وأصابت غارة جوية في 23 آب الماضي، مركبة كانت تمر بالقرب من منطقة سيد صادق، وهي بلدة تقع بين مدينتي السليمانية وحلبجة، حيث أسفرت عن مقتل صحفيتين، وإصابة زميل لهما بجروح خطيرة.
وكان الطيران العسكري التركي قد استهدف مناطق دوكان، وجوارته، وشارزوز، في السليمانية، في أوقات سابقة، ما أدى لمقتل عدد ممن تتهمهم أنقرة بأنهم من مسلحي حزب العمال الكردستاني أو المتعاونين معه.
من جهة أخرى، يتهم السياسي الكردي المقرب من حزب العمال الكردستاني، بهزاد حسن، من أسماهم بالخونة بـ”إعطاء الإحداثيات للجيش التركي، لتنفيذ الضربات الجوية في جميع مدن الإقليم”.
ويلفت حسن، إلى أن “الضربات الجوية الأخيرة للجيش التركي، وخاصة في السليمانية كانت محكمة ودقيقة، وهذا يدل على وجود من يعطيهم المعلومات والإحداثيات”.
ويوضح أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني، متعاون بشكل علني مع تركيا، ويقدم لهم كل التسهيلات، وهو لا يخجل من تصرفاته، ولكن ما يجري في السليمانية يثير شكوكنا، كونها منطقة غير خاضعة لنفوذ الحزب المذكور”، منوها إلى “وجود جهات أخرى في السليمانية تتعاون مع أنقرة، وهذا هو ما أدى لزيادة الضربات والهجمات التركية مؤخرا”.
وبالرغم من تكرار الاستهدافات التركية على السليمانية، إلا أن مستوى الإدانة والاستنكار من قبل الاتحاد الوطني الكردستاني، ظل متدنيا، وهو ليس كما كان في السابق، وباتت تقتصر على نوابه داخل البرلمان العراقي، إذ لم تصدر بيانات من قبل زعيم الاتحاد الوطني، بافل طالباني، أو شقيقه نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، قوباد طالباني، ولا حتى من قبل المكتب السياسي للحزب، كما يؤكد السياسي الكردي العراقي المقرب من حزب العمال الكردستاني.
وكان رئيس الجمهورية العراقي، عبد اللطيف رشيد، قد أدان في نيسان 2023 قصف مطار السليمانية، من قبل الطائرات التركية، حيث أكد في بيان رسمي “عدم وجود مبرر قانوني يخول القوات التركية الاستمرار على نهجها في ترويع المدنيين الآمنين، بذريعة وجود قوات مناوئة لها على الأراضي العراقية”.
وكانت صحيفة “يني شفق” التركية، قد أشارت في تقرير نشرته خلال حزيران الماضي، إلى تحول مطار السليمانية، لقاعدة لوجستية تابعة لحزب العمال الكردستاني “PKK”، مؤكدة أن صبر أنقرة حيال شحنات الطائرات دون طيار والصواريخ التي يتلقاها الحزب المعارض، وأنها لن تبقى مكتوفة الأيدي.
من جانبه، يرد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث سورجي، بالقول إن “الاتحاد الوطني لم يخفف اللهجة العدائية ضد تركيا، ولكن أنقرة ضغطت كثيرا على الاتحاد، فقامت بغلق مكتب العلاقات التابع للحزب في أنقرة، وطردت موظفيه”.
ويوضح سورجي، “منذ حوالي عامين أيضا، مارست تركيا سياسة الحظر على مطار السليمانية، الأمر الذي تسبب بخسائر بملايين الدولارات للإدارة المحلية، وبالتالي فالسليمانية مدينة صغيرة وليست دولة، أو حكومة، فهي لا تستطيع مواجهة دولة كبيرة مثل تركيا، لذا خففنا من اللهجة العدائية، لغرض ممارسة الدبلوماسية مع أنقرة، عسى أن تخفف من خناقها على السليمانية، وتنهي حظرها على المطار، فنحن لا نرغب بالعداء مع أي دولة”.
وكانت تركيا، قد علقت في الثالث من نيسان 2023، رحلاتها الجوية إلى مطار السليمانية دون بيان الأسباب، أو موعد عودة الرحلات الجوية، الأمر الذي يضطر المسافرين للذهاب إلى مطار أربيل أو كركوك.
وحول وجود جهات تقوم بتسريب معلومات للجانب التركي من داخل السليمانية، يقر بذلك، لكنه يؤكد أيضا بأنها جهات مجهولة بالنسبة لنا وللأجهزة الأمنية، فهذه الجهات لديها معلومات عن الضربات الجوية التركية، حتى قبل إعلان تفاصيلها من قبل الأجهزة الأمنية”، متهما “أحزابا كردية متنفذة” دون تسميتها، بـ“التعاون مع أنقرة بشكل كبير”.
وينفي القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، وجود اتفاق سري بين حزبه وأنقرة، ينص على التخلي عن حزب العمال الكردستاني والجهات المعارضة لتركيا، مقابل عودة العلاقات مع تركيا، وإنهاء حظرها على مطار السليمانية، وإنهاء الخناق المفروض على المدينة.
ويتابع أن “الاتحاد الوطني الكردستاني يدفع ضريبة وقوفه مع القضايا الكردية، وأنقرة تريد منا أن نلبي رغباتها ونمارس سياسة السمع والطاعة، وهذا غير وارد في منهاجنا أبدا، ولذا فتركيا تمارس السياسة التعسفية ضدنا”.
ومنذ مطلع العام الماضي، تعرضت مناطق مثل كفري وكلار وأطراف في السليمانية، فضلا عن مناطق سنجار ومخمور في محافظة نينوى، لهجمات تركية بالطائرات المسيّرة أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر حزب العمال الكردستاني.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- ماذا وراء تأجيل التعديل الوزاري؟
- زيارة بهدف واحد.. ماذا يريد عراقجي من بغداد؟
- "لن نغادر إلا للسماء".. فلسطينيون يرفضون التهجير من شمال غزة