- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التطبيل في العراق.. هشيم تذروه الرياح !
بقلم: بركات علي حمودي
لا شك أن خداع الناس وايهامهم بوجود انتصارات هي عادة جُبلت عليها الأنظمة الشمولية الغابرة وذلك من أجل منع وصول الناس لليأس أثناء القتال، وهذا ما أوجد ما سمي في وقتها الماكنة الإعلامية لهتلر بأدارة غوبلز صاحب نظرية (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس) عندما كان يفبرك قصص انتصارات الرايخ في الحرب العالمية الثانية، كذلك ما عرف في النظام السابق عن آخر وزير للإعلام محمد سعيد الصحاف الذي كان يوهم الناس بأن القوات الأمريكية قد تم دحرها على اسوار بغداد، غير أن الحقيقة هي أن الدبابات الامريكية كانت على بعد أمتار قليلة من الصحاف قبل اختفائه نهائيا وإعلان سقوط النظام السابق!
لكن من المؤسف أن نشهد في زمن الديمقراطية، كذبا و زوراً في نقل الحقيقة، بدءاً من الأوضاع الامنية و انتهاءاً بالاقتصاد و الإعمار، سقوط الموصل وسقوط باقي المدن العراقية بيد داعش في عام 2014، سبقته بروبغندا إعلامية عن سيطرة القوات الامنية على الأوضاع وأن الأمور بشكلٍ تام تحت السيطرة، قبل أن يتبين كذب هذا الادعاء وتسقط الموصل في ساعات وينهار كل شيء في حدث تاريخي تسبب بهدر دماء الآلاف من المدنيين والعسكريين وخسارة العراق لمليارات الدولارات وضياع موازنة ذلك العام وسط فوضى الانهيار الأمني حينها!
اليوم كذلك تُعاد الكرة عن وجود انتصارات، لكن من نوع آخر وهو الانتصار في ساحة الاقتصاد والإعمار، في ملف الدولار مثلاً يصرح المقربون من الحكومة الحالية من مستشارين ومسؤولين و حتى محللين وإعلاميين، بأن ازمة الدولار في طريقها الى الحل النهائي خلال فترة زمنية قصيرة جداً، وهذا التصريح المتشابه يُطرح منذ عام ونيّف منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني والذي منذ استلامه رئاسة الحكومة ولغاية اليوم يعاني الدينار العراقي من تذبذب سعره أمام الدولار الأمريكي وذلك بسبب ضغط الفدرالي الأميركي على الحكومة العراقية لتطبيق اجراءات صارمة لمنع تهريب الدولار لدول معاقبة من قبل الولايات المتحدة الامريكية.
غير أن بعد اكثر من مرور عام على هذه الوعود ابتداء من وعود رئيس الوزراء عندما قال للعراقيين ناصحاً (اقتنوا الدينار) وانتهاءاً بأصغر مسؤول وعد بإعادة سعر صرف الدولار إلى وضعه الطبيعي، إلا أن الفرق بين السعر الحقيقي والموازي لا زال يتجاوز عتبة العشرون الف دينار للمائة دولار، وهذا ما جعل عضو مجلس النواب سروة عبد الواحد تصرح عن خسارة العراق سنويا قرابة 21 مليار دولار بسبب تخفيض سعر الصرف رسميا وبقاءه مرتفعا في السوق السوداء وأضافت في تصريحها كذلك، بأن الحكومة عاجزة عن حل المشكلة أو أنها لا تريد السيطرة على المشكلة !
التطبيل لافتتاح جسر و اكساء شارع !
في زمن حكومة الكاظمي، كان معارضوه من ساسة وإعلاميين كثيرو النقد لظهوره الإعلامي عند افتتاح مشروع او وضع حجر أساس لمشروع او زيارة عائلة ضحية من ضحايا التظاهرات، كان هؤلاء ينتقدون ظهوره وكانوا يصفونه بالفيسبوكي لمجرد أن ظهوره كان أنيقاً ومصوره بنجويني كان مصوراً ماهراً يلتقط له الصور الاحترافية، و مدير تشريفات حكومته حسنين الشيخ كان ماهراً في عمله، وعلى هذا الأساس اتهموه بالاستعراضية وحكومته بالحكومة الفيسبوكية !
الذي حصل اليوم، أن من كان يتهم الكاظمي بالفيسبوكية والاستعراضية هم ذاتهم الآن يروجون لإنجازات يجدونها عظيمة تستحق المديح مثل أكساء شارع او افتتاح جسر تم اكمال 90% من أعماله مثلاً في الحكومة السابقة، او حتى اعتبار فوز المنتخب الوطني على المنتخب الياباني في كأس آسيا بأنه إنجاز حكومي !
وصل المديح أو ما يسميه العراقيون بالتطبيل حد وصف أن ما يجري اليوم هو فترة زمنية تعتبر أفضل حقبة في تاريخ الحكومات العراقية، رغم الفشل الذريع الذي يكتنف المشهد السياسي والاقتصادي عبر فقدان السيطرة على سعر صرف الدولار والفشل الدبلوماسي مع قضايا خارجية مثل ازمة ترسيم الحدود مع الكويت وأزمة قصف القوات الأمريكية لمواقع الحشد الشعبي وازمات داخلية مع اقليم كردستان، في حين أن كل هذه الملفات كانت غير موجودة في زمن الحكومة السابقة أو كانت مشاكل يتم حلها أو التخفيف من حدتها.
اذاً.. من العجيب أن يمدح الإعلامي العراقي او المراقب او السياسي عملية اكساء شارع او افتتاح جسر واعتباره منجزاً عظيماً قامت به الحكومة.
هذه الأعمال لا تتعدى كونها بنى تحتية بسيطة موجودة في أفقر دول العالم، ومن المعيب أن يتفاخر بها احد في واحد من أكبر البلدان النفطية في العالم دخلت له أموال بعد عام 2003 تجاوزت 1300 مليار دولار !
وهل تحتاج الحكومة الناجحة أن كانت فعلا ناجحة، إلى وجود مداحين مهللين ؟
وأن كان المدح والتهليل وغيرها يستوجب وجوده، فلماذا لا يتم العمل بوزارة الإعلام التي حُلت بعد عام 2003 لكي تتكفل بهذا الدور؟ (يقول ذلك أحد المتهكمين)!
وإن كان المديح مشروعاً وامراً طبيعياً، فلماذا لم يمدح هؤلاء او غيرهم كيف استطاعت حكومة الكاظمي توفير الأموال في الاحتياطي النقدي لتصل لقرابة 100 مليار دولار رغم أن الكاظمي وصل إلى السلطة والاحتياطي النقدي لا يتجاوز ال 40 مليار دولار والخزينة الحكومية شبه معدومة، بينما غادر السلطة ليتسلم السوداني افضل احتياطي نقدي في تاريخ العراق مع خزينة حكومة ممتازة يستطيع من خلالها العمل وتقديم هذه الخدمات التي يعتبرها البعض انجازات عظيمة والمضي بمشاريع استثمارية وتنموية يمدحها اليوم المداحون حتى قبل حدوثها وهي في طور التصريحات فقط ؟
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال آخر:
ماذا لو عادت أسعار النفط إلى الهبوط الحاد لتصل مثلا إلى 60 دولار؟
كيف سيتعامل السوداني مع أزمة الرواتب الكبيرة جداً، والعجز في الموازنة الثلاثية والالتزامات التي فيها ؟
هل سيتم سحب الاموال من الاحتياطي النقدي للاكتفاء بتسديد الرواتب والعجز، لتكون الآمال والمشاريع وما يسمى أعوام الإنجازات القادمة والتطبيل لها، كهشيم تذروه الرياح ؟!
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القنوات المضللة!!
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!