- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات، وأقلني فيه من الخطايا والهفوات، ولا تجعلني فيه غرضاً للبلايا والآفات).
- أولاً: الإنسان وبناءً على وجود الصراع الطبيعي بين قوى (الخير والشر) في داخله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)، يكون في معرض الخروج عن خط الإستقامة والفطرة، وهو أيضاً بفطرته يحب الرجوع إلى الإستقامة ليمتزج معها بعد أن مال عنها تبعاً لميوله وشهواته ووسواس نفسه. وهذا يعني إن الإنسان ليس دائماً هو يبقى مستقيماً دون أن يتعرض إلى نكوص وزلل لوجود مقتضيات قد تقصر به أن يكون مطابقاً دائماً مع إرادة الخير والحق, ومن مستلزمات الخروج عن جادة الإستقامة والفطرة هو: (العثرة). والعثرة تطلق على عثرة الرجل وسقوط الإنسان على الأرض، فيقال عثر فلان أي سقط على الأرض، وهناك أيضاً سقطة يسقط فيها الإنسان وهي سقوط الإنسان معنوياً في الإنحدارات السحيقة التي تهوي به وتجعله في إعراض وابتعاد عن طريق الهدى والحق, وجاء التشبيه هنا بين العثرة المادية والمعنوية من باب تشبيه المعقولات بالمحسوسات لوجود ملازمة بين المعنين، لأن نتيجتهما واحدة وهو السقوط، لكن في هذا السقوط إن الإنسان هو الذي بسوء اختياره قد أوقع نفسه في تلك العثرات، لذا كان عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه من نتائج زلاته هذه. وقد استعملت في الدعاء عبارة: (لا تؤاخذني). حيث أن المؤاخذة معناها هو اللوم والعقاب الشديد، قال تعالى: (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً).
إذن.. فالدعاء يربي فينا مسألة العودة إلى الله عز وجل ولا يؤاخذنا بما صدر منا من عثرات الخطايا والآثام.
- ثانياً: الإقالة من الخطايا والهفوات: والإقالة معناها العفو والصفح, والهفوات: هي الزلة والسقطة. وجميل ما نراه في الدعاء حيث ابتدأ الدعاء بطلب عدم المؤاخذة وعدم العقاب على العثرة والخطايا وأن يبعده عنها ويسعفه بعدم الوقوع في مزالقها، وبعد ذلك طلب الصفح والعفو عما بدر منه من سوء الأعمال، فهنا نلاحظ ثلاثة مراحل للخلاص من الخطايا هي:
١- طلب عدم العقوبة
٢- وان يبعده عنها
٣- والصفح والعفو
- ثالثاً: البلايا والآفات: وهو أن الدعاء انصب على أثر مهم قد تفرع على موضوعه وهو: أن للخطايا والهفوات آثاراً تتركها على حياة الإنسان وهي البلآءات والآفات التي تصيب الإنسان بسبب تلك الذنوب والمعاصي: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ). وأيضاً ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون).
إذن.. هذه الذنوب والخطايا تكون منشأ للشقاء والتعاسة التي تصيب بالإنسان، فالدعاء هنا يبين حتمية ترابطية ببن أعمال الإنسان وبين نتائجها خيراً كانت أم شراً, والدعاء يعلمنا غرضاً تربوياً هو أن لا نكون هدفاً لنتائج أعمالنا القبيحة.
والجو العام للدعاء هو جو التائب الذي عزم على أن لا تصدر منه معصية عن عمد، لذلك فهو لا يطلب العفو عن جرمه فحسب، بل يطلب الصفح عن عثراته والإقالة عن هفواته.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر