- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عن روّاد مقاهي الشأن السياسي في فضائيّات العراق
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
عندما أشاهدُ (مُصادفةً) بعض البرامج التي تتناول الشأن السياسي في العراق، أتذكَّرُ الحوار الذي كان يدورُ بين "بعض" روّاد المقاهي في بغداد القديمة.
حوارُ "بعضُ" روّاد هذه المقاهي كان لا يُسيءُ للآخرين.. وكان ضررهُ (في أسوأ الأحوالِ) محدوداً جداً، وشخصيّاً جدّاً.. وإذا تطايرت الكراسي للحظات، قد يُصابُ الروّادُ الاخرينَ ببعض الخدوش، ثُمّ يَحِلُّ "الصًلحُ".. ولا شيء آخر.
أمّا "الحوارُ" الذي يدورُ بين "روّاد" الفضائيات العراقية الآن، وما ينجمُ عنهُ من ضرَرٍعام، فهو شيءٌ آخر، يمكنُ كشفُ بعضُ تفاصيلهِ العجيبةِ، كما يأتي:
مُقدّم البرنامج يقول للضيفِ الأوّلِ، بالمحليّة الدارجة: "ها يابة (أبو مدري منو)، شتكَول.. طِلَع الأخ (أبو فلانة) مرتِّب أُموره ويّه ذولاك الناس، وإنتو رجليكم بالفِيّ وراسكم بالشمس"..
فيُجيبُ "المُحلّل"- الضيف: "وعيونك (استاد فلان)، وكَول كَال فلان.. وتدري آني شكَد أحبّك، وأحب"مهنيّة" و"وطنية" قناتك، وأدري بيك كلشي تعرف.. إذا هذا اللي تقصده (أبو فلانة) يصير رئيس وزراء، آني فلا فلان"!!
هنا يلتِفَت المُقدِّم إلى "المُحلّل"– الضيف الثاني، ويقولُ له:"يابه طِلعتوا إنتو كُلشي ماكو، والميّ يمشي من جوّاكم"، و"الجماعة" متفاهمين من وراكم، وعود خلّلي تفيدكم الأغلبيّة"!!!
هنا ينفعل الضيف الثاني، ويقول للمقدِّم: "ماكو هيج شي.. وإذا افترضنا صار هيج شي، وهذا أبد ميصير، عود شوف شراح نسوّي".
المُقدِّم: شتسوون؟
الضيف: بعدين تُعرُف!!!
في هذه الأثناء، الضيف الأول "يُبحوِش" في الموبايل، ويقرأ شيئاً ما، ويضحكُ مع نفسهِ شارِدَ الذهنِ عمّا حوله، والكاميرا مُسلّطةٌ عليه.. وفجأةً يتذكَر أنّهُ يشارك في برنامج تلفزيوني، وعلى الهواء مباشرةً .. فيجفَل، ويقول للمُقدِّم (وعينهُ ماتزالُ على شاشة الموبايل):
- هِسّة وصلتني رسالة تكَول الجماعة مجتمعين في بيت (أبو فلان).. و"فلان" زعلان عليهم،، وكُل نتيجة ماكو!!!.
ماهذا ؟
هل هذه هي "المهنيّة" و"الحِرفة" في الصحافة والإعلام؟
هل هذه هي "أصول" التحليل السياسي الرصين؟
ماذا يستفيدُ المُشاهدُ من حوار المقاهي البذيء والهستيري هذا.. الذي لا "ربّاط" فيهِ ولا رابطَ، ولا انضباط ولا ضابِط، والذي لا مُقدّماتَ منطقيّةً فيه، ولا نتائج تُرتَجى منه؟
هل شاهدتم نماذج من برامج الحوارات "السياسية" في العالم، وتعرّفتم إلى "الشخصيات" المؤثِّرة التي تستضيفها، وأستمعتم إلى قوّة العقل، وفخامة اللغة، ورصانة التحليل، وعُمق الفكرة، والبراعة في توظيف الحدث، ودقّة الإستشراف، وموثوقيّة المعلومة، التي لا يجرؤ لا الضيفُ ولا المُقدِّم على انتهاك مصداقيتها، ولا التشكيك في مصدرها، آخذين بنظر الإعتبار (وهم يتحدّثون) مُحدّدات سُلطة القانون التي قد تطالَهُم في أيّةٍ لحظة، والخشية من المُسائَلة، والخوف من الإساءةِ للسمعة الشخصيّة، والنيل من المكانةِ العلميّةِ والأكاديميّةِ والمُجتمعيّة، والتحسّبِ لخسارةِ ثقة الناس، وقسوةِ أحكامهم؟
إلى متى.. وإلى أين؟
تدخلونَ بيوتَ الناسِ عُنوةً، وليس لديكم سوى أردأ السِلَعِ، واردأِ الناس.. وتقومونَ بتسميمهم بالهراء، والأحقادِ الدفينةِ (والمُعلنَةُ)، ولا تُقدّمونَ إليهم سوى اللغةِ الرخيصةِ، واللغو المُشين؟
من هم (في معظمهم، لأنّ هناكَ استثناءاتَ طبعاً).. هؤلاء الذين تستضيفونهم؟ ماهو تاريخهم؟ ماهي مديات خبرتهم، ورسوخ تجاربهم؟ ماهو "مُنجَزَهُم" العلمي والثقافي؟ و ماهي "المصادر" الرئيسة لـ "تحليلاتهم؟
ماذا تفعلون بالعراق والعراقيّين، بعد؟
بل.. ما الذي لم تفعلونهُ بعد؟
يا للعار.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى