بقلم: علي حسين
أكاد ألمح ابتسامة رضاً وارتياح على وجوه ساستنا ومقربيهم وهم يرون كيف استبدلت ملفات مهمة مثل الإصلاح السياسي والخدمات وملاحقة حيتان الفساد، بمعلقات جديدة عن الثلث المعطل، وأيهما أكثر سعادة للمواطن حكومة الأغلبية أم توافقية توزيع المغانم، ذلك أن إثارة مثل هذه القضايا في هذا الوقت بالذات، فرصة لتواري واختفاء ملفات تمس حياة الناس ومستقبلهم.
اعتقد العراقيون أن ذهابهم بكثافة إلى الاستفتاء على الدستور في تشرين الأول من عام 2005 سينهي كل مشكلاتهم، ففوجئوا بأنه يعمق هذه المشكلات والانقسامات، وأنه دستور كُتب وصمم لمصالح الأحزاب والكيانات السياسية.
ثم وقفت الناس في طوابير طويلة في انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات أملاً في تهدئة نفوس الساسة الثائرة من أجل الكراسي والمناصب، والانطلاق نحو عملية ديمقراطية، فاكتشفوا أن الانتخابات انطلقت بهم إلى عالم زائف ومخادع من الممارسة السياسية، اليوم يعتقد البعض ان صبر العراقيين على تسعة عشر عاماً من الطائفية والمحسوبية والانتهازية السياسية وما رافقتها من مآسٍ يمكن أن تختصر في معارك من أجل الكراسي.
والغريب ان الجدل في القضايا التي لا تمس حياة الناس لا يزال متواصلا مثله مثل الجدل الكوميدي حول الـ"700" مليار دولار التي كان يمكن للعراق الحصول عليها لو انه دخل في قافلة طريق الحرير، وبدلا من ان تعرف الناس من هو المتسبب في ضياع مئات المليارات من أموال الشعب في مناقصات وهمية ومشاريع لم تر النور، خرج عليهم من يصرخ "وا صيناه"، وعندما تقول له يارجل الصين لم تصبح دولة عظمى إلا بعد ان قامت لمحاربة الفساد التي أطلق عليها اسم "النمور والذباب" وشملت محاكمة وسجن أكثر من مليون شخص من كبار وصغار مسؤولي الحزب.. فيما نحن نعيش مع حملة الحفاظ على الفساد وتنميته وتسمينه، تريليون دولار أهدرت في مشاريع وهمية، ولا يستطيع البرلمان أن يستجوب رؤوس الفساد الكبيرة، لأنها خط أحمر ممنوع تجاوزه.
علينا أن نتساءل: كم مشروع وضع له المالكي حجر الأساس، ثم تبين أن الأمر مجرد فصل من مسرحية كوميدية لن تنتهي؟، كم مرة سمعنا وزراء من عينة الشهرستاني وايهم السامرائي يتغنون بأن هذا العام هو عام الاستثمار والتنمية .
في كل عام نسمع الأسطوانة نفسها وهي تردد ذات النغمة "هذا عام الخير" لنكتشف في النهاية كم مشروع دفن تحت ركام التصريحات والخطب النارية، هل المشكلة اليوم في تعديل الدستور ام في تغيير منظومة سياسية اثبتت فشلها وتريد ان تواصل مسيرة الفشل ، وان تسمح لها الظروف بالجلوس على الكرسي من جديد.
وقديما قال الجواهري الكبير:
مستأجَرِينَ يُخرِّبونَ دِيارَهُمْ
ويُكافؤونَ على الخرابِ رواتبا
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!