حجم النص
بقلم:سالم مشكور
ما حدث في الناصرية ليس حادثاً عرضيّاً بسبب خلاف بين اتجاهين، بل هو جزء من مخطط لإشعال حرب أهلية في الوسط والجنوب وراءها مشروع سياسي- اقتصادي دولي ساحته العراق. من شارك في ما حدث يتحرك من دون أن يعي بأنه يسهم في تنفيذ مخطط يستهدفه هو نفسه. العراق كله مستهدف منذ سنوات طويلة. عقود من الدكتاتورية دمرت البشر قبل الحجر، ثم “تحرير” أدخله في دوامة التفتيت الذي كانت أرضيته مهيّأة. الإقليم له وضعه المستقل، فيه اعمار كما كان العراق حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، لكن طبيعة الحكم والتفرد وأحلام الزعامة دمّرت كل شيء، وفي الإقليم حال مشابه اليوم. المناطق الغربية خضعت للتدمير والاجتياح الداعشي لسنوات، ثم جاء دور
الوسط والجنوب.
في الجنوب فقر وبطالة وخراب وسياسيون يسرقون ولا يقدمون شيئاً، وحال يتراجع أكثر فأكثر، لكنه كان عصيّا على الاختراق بسبب ولاءات عقائدية ومرجعية مطاعة. فكان البديل اشعال الخلافات السياسية والتلويح بشعارات رنانة تدغدغ مشاعر وتطلعات أبناء الوسط والجنوب، وككل العراقيين، نحو حياة كريمة وتنمية وازدهار. لكن التناحر والحرب الاهلية لن تأتي الّا بالخراب.
الخراب هنا مقصود. منطقة الوسط والجنوب هي مكان مرور طريق الحرير وميناء الفاو، والعراق الان ساحة صراع بين مشروعين، صيني من خلال طريق الحرير والفاو، وأميركي-إسرائيلي عبر مشروع صفقة القرن. هو التعبير الاقتصادي عن التنافس الاميركي الصيني على النفوذ في العالم ومركزه العراق، وإشعال حرب أهلية وإشاعة الانقسامات والصراعات في الجنوب سيكفل تعطيل جميع المشاريع المرتبطة
بالمشروع الصيني..
مرة أخرى، نحن ندفع أثمان الصراعات الدولية الكبيرة على أرضنا، لكن السؤال هو: لماذا يكون العراقي على الدوام أداة لتدمير نفسه ووطنه؟!. هذا الكلام لا يعني فقط البسطاء الذين يتحولون الى حطب في نار يشعلها أصحاب المصالح، إنما على السياسيين الذين يسهمون- بوعي أو بدونه - في توفير أرضية التدمير الذاتي خدمة لمصالح الاخرين ومشاريعهم، بالضبط كما فعل صدام حسين وجعل العراقيين، الذين أضناهم الفقر والكبت والرعب، يرحبون حتى بالشيطان
من أجل تخليصهم.
أبناء الناصرية، منبع الرجال والكفاءات العلمية والثقافية والفنية والسياسية، وأبناء العراق ككل بحاجة الى وعي أبعاد ما يجري. كفانا تدميراً لأنفسنا.