ما تزال النظارة التي تشبه نظّارة المتقاعدين، ومعها ساعة جيب قديمة، ومجموعة كتب من بينها مؤلفات شكسبير، تجد لها مكانًا بارزا في متحف فيتنام الوطني، لأنها تخص شخصية لا يزال معظم الشعب الفيتنامي مغرمًا بسيرتها، وأعني بها هوشي منه،الثائر والزعيم السياسي الذي أسس فيتنام الحديثة.
ساعة قديمة ونظّارتان هي كل ما يملك، فقد كان يقول ضاحكًا للذين يسألونه عن حالة التقشف التي يحيط بها نفسه، حتى بعد أن وقفت الحرب وأصبح زعيمًا للبلاد: "الزعامة ليست في حاجة إلى المال، إنها بحاجة أكثر إلى عقل يفكر جيدًا."
خاضت فيتنام حربًا شرسة ضد الأميركان راح ضحيتها مئات الألوف، وماتزال صور المآسي تحتفظ بها هانوي في متاحف خاصة، فيما تعجّ العاصمة الفيتنامية اليوم بالسيّاح الأميركيين والاستثمارات الأجنبية، وعادت سايغون مدينة تفتح ذراعيها للجميع، لكنها لا تنسى أن تحتفل بذكرى أبطالها الذين صنعوا لها المستقبل.
يخبرنا كاتب سيرة هوشي منه أن الزعيم الفيتنامي كان ينصح وزير دفاعه الجنرال جياب، بعد معركة ديان بيان فو، التي لقّن فيها جياب القوات الفرنسية أقسى دروس الهزيمة، عندما انتبه "العم هو" الى أن قائده العسكري أخذ يكيل المديح للمقاتلين، فنبهه إلى أن "تحرير البلاد ليس منّة يتحملها الشعب، إنه واجب علينا أن نقدمه بلا خُطب، فالتاريخ لايصنعه شخص واحد."
التاريخ بالتأكيد لا يصنعه شخص واحد، وهذه الجملة أتمنى أن يتعلمها جميع الذين يقفون على منصات الخطابة هذه الأيام، يتحدثون عن النزاهة وبناء الدولة، وكأن الناس هي التي نهبت البلاد.
قبل أيام قرأت هذا الخبر المثير الذي يقول ان فيتنام من البلدان التي سيطرت على وباء كورونا ولم تشهد حالات وفاة والاصابات لم تتجاوز المئات ، وقد ابتكرت الحكومة بمساعدة عدد من رجال الاعمال طريقة لمساعدة المواطنين في ظل الحجر الصحي بان وضعت الفيتنامية ماكينات صراف آلي تعمل طوال الوقت تصرف أكياسًا من الأرز ، لتساعد من فقدوا وظائفهم ومصدر دخلهم ، في الوقت الذي يوظف فيه " ملياريرات " ما بعد 2003 الاموال التي نهبوها في اعمار دول الجوار .