بقلم: حمزة مصطفى
بين كونها ولدت ميتة لمن هم متفائلين من سياسيين أو محللين, أو خطة جهنمية للقضاء على آخر أمل بالقضية الفلسطينية للمتشائمين محليين وسياسيين هكذا يجري الحديث عما سمي "صفقة القرن" بتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. أطراف قبلت بالصفقة وفي المقدمة من هؤلاء الصهاينة وفي مقدمتهم الغارق حتى أذنيه بالمشاكل بنيامين نتيناهو, ومنهم من رفضها بكل قوة وهم الفلسطينيون وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس الذي تعهد إما أن يموت شهيدا أو يرفع العلم بالقدس. المواقف الأخرى التي تقف بين الرفض "إيران , تركيا" أو القبول شبه المشروط "مصر بعض دول الخليج" لاجديد فيها بل هي إستمرار لمنطق الإصطفافات بشتى أنواعها التي باتت ومنذ عدة عقود وتتعمق بإستمرار هي العنوان الأبرز للحالة العربية والإسلامية.
إذا عدنا للتاريخ فإنه منذ إنطلاق وعد بلفور عام 1917 على إثر إتفاقية سايكس ـ بيكو وماتلاها من إتفاقيات "سيفر , لوزان" التي أنهكت ماتبقى من الجسد العربي برسم خرائط جديدة, فإن الإنقسامات العربية والإسلامية آنذاك لم تكن بالعمق والجذرية التي تبدو عليها اليوم. مع ذلك تم تنفيذ الوعد في موعده المحدد تقريبا. نتج عن تطبيق الوعد حرب عام 1948 التي سميت النكبة. تزامن معها المد القومي فيما بعد (الناصري, البعثي) الذي كانت أبرز تجلياته حرب حزيران عام 1967 التي سميت النكسة تخفيفا إعلاميا عن النكبة التي سبقتها بعقود. وبعد إنحسار المد القومي أوتراجعه بعد النكسة ومن ثم وفاة جمال عبدالناصر (1970) جاء المد الإسلامي بعناوين مختلفة من صحوة الى أصولية الى ماسواها.
ومع أن حرب عام 1973 بدت مختلفة نسبيا عن سلسلة الهزائم التي مني بها العرب في الحروب التي سبقتها لكن نتائجها السياسية كانت أخطر حيث مهدت لما سمي فيما بعد فكر التسوية بدء من كامب ديفيد وماتلاها من إتفاقات لاحقة وصولا الى أوسلو أوائل تسعينات القرن الماضي. في كل تلك التحولات كانت المحصلة أن إسرائيل تتمدد والعرب والمسلمون يزدادون إنقساما وتشرذما.
اليوم قد لايبدو الأمر مختلفا على صعيد وعد ترمب الذي لانملك وفي سياق تراثنا في البكاء والنواح سوى أن نطلق عليه المشؤوم تيمنا بوعد سلفه بلفور. المفارقة أن البريطانيين والأميركان الذين تبادلوا إحتلالنا واللعب بمصائرنا طوال القرنين الماضي والحالي يبدوان إنهما عازمان على إهانة أصدقائهم العرب وحتى المسلمين عند بداية كل قرن تقريبا بوعد جديد. بلفور عند بداية القرن العشرين وترمب عند بداية القرن الحادي والعشرين.
هل نملك بديلا عن البكاء والنواح أوأقله تبادل الإتهامات والتخوين بيننا عربا ومسلمين أم توجد إمكانية لأن نتعظ ولو مرة واحدة في القرن على الأقل؟ المؤشرات والمعطيات لاتدل أن تغييرا هاما يمكن أن يحصل عربيا أو إسلاميا. فما أن أعلن ترمب خطته التي منحها الإعلام العربي ـ الغربي تسمية "صفقة القرن" حتى بدأت سلسلة التصريحات الغاضبة المتبادلة بين المؤيدين والمعارضين, بينما حقق ترمب وفريقه مايريدون على المدى القريب في الأقل. أما هل تحقق الخطة أهدافها آنيا ومستقبليا فإن الإجابة بنعم أو بلا تتوقف على .. نوايا العرب والمسلمين.