عباس الصباغ
وهو قانون ـ إن حظي بقبول شعبي ـ يجب ان يتماشى مع مخرجات الحراك الاحتجاجي التشريني الغاضب ضد الاحزاب الذي جاء كرد فعل على الاداء الخاطئ للكثير منها خصوصا التي استلمت زمام الامور بعد التغيير النيساني المزلزل ولحد الان، اذ رفع اغلب المتظاهرين في جميع سوح التظاهر في وسط البلاد وجنوبها شعار (كلا، كلا للأحزاب) وضمن اولويات المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين صعّدوا من سقوفهم بهذا المجال اذ طالبوا بإلغاء الحياة الحزبية نهائيا من المشهد السياسي العراقي وكشعور منفعل وغاضب ايضا ويدلّ على الاحباط واليأس من وجود احزاب سياسية دون ان تقدّم شيئا ملموسا يصبّ في مصلحة الوطن والمواطن ولابد من صياغة جديدة لقانون للأحزاب اذا ما توفرت رغبة جماهيرية / برلمانية حقيقية لذلك على ان لاتعاد اخطاء الماضي الكوارثية. وفي حقيقة الامر تعدّ الاحزاب جوهر العملية الديمقراطية ونتيجة عرضية للديمقراطية والعمود الفقري لأي انتخابات نزيهة وتعبّر عن رؤى وايديولوجيات الشارع ولو ان تلك الرؤى تم اختزالها في ايديولوجية واحدة فقط نكون قد صادرنا حق الجميع في التعبير عن وجهة نظرهم ولكرّسنا اسلوب الحزب الواحد الشمولي كما كان في زمن حزب البعث المحظور، ولا خلاف في أنه بدون وجود تعدّد حزبي مؤدلج يستوعب آراء الجميع لن يكون هنالك تداول سلمي للسلطة.
لقد عانى العراق كثيرا من امرين متلازمين: وهما سيطرة حزب واحد فقط على مقاليد الامور وقاصيا بالقوة البوليسية بقية الاحزاب الموجودة على الساحة الوطنية ومهمشا لها، صاحبته اللاتداول السلمي للسلطة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي لحد التغيير النيساني، والثاني نشوء عملية سياسية منتخبة ديمقراطيا وذات تعدد حزبوي ولكن كانت فق توصيفات فئوية ومناطقية ودينية ومذهبية واثنية وحتى عشائرية ضيقة، وكلا الامرين غير صحيح سواء تسلّط حزب واحد لاشريك له او وجود تعدد حزبي منفلت لايخضع لاية ضابطة قانونية او دستورية.
الصحيح هو ليس الغاء الحياة الحزبية تماما من المشهد السياسي العراقي، فالمعاناة التي سبّبها الاداء الخاطئ لبعض الأحزاب لايعني الغاء الحياة الحزبية برمتها بل بتقنينها واعادة برمجتها حسب ماتمليه المصلحة العليا للبلد ولفسح المجال امام الجماهير لتعبّر عن رايها وايديولوجياتها المتعددة، وهو حق مكفول قانونيا واخلاقيا وفي جميع الشرائع والقوانين والاعراف،ووفق اطر دستورية وقانونية واخلاقية ووطنية ايضا و لكن ليس بصورة منفلتة كما حصل بعد التغيير النيساني فلا احد يعرف ايديولوجياتها الهلامية او مصادر تمويلها او نشاطها الاقتصادي وحدود نشاطاتها السياسية والاجتماعية الاخطبوطية او حتى نظامها الداخلي، وبالنتيجة تراكمت اخطاء فادحة اثارت غضب الشارع ضدها وطالب بالغائها جميعا في سلة واحدة ولاعودة للحياة الحزبية في العراق بعد تجربة الشارع المريرة معها وباي شكل كانت .
وبهذا الصدد يجب العروج على قانون الأحزاب العراقية رقم (36) لسنة 2015 الذي بقي حبرا على ورق واضيف الى سلسلة القوانين المتراكمة التي شرّعها البرلمان والتي بقيت دون تنفيذ ولو تم تنفيذ بنود هذا القانون رغم ركاكتها وضعف مصداقيتها القانونية وكثرة الاعتراضات عليها وعدم الاقتناع بمضامين اغلبها لما وصل الحال الى ماوصل عليه الان ، وفي الحقيقة سعى هذا القانون مع كل ما يحتويه من عيوب إلى أن يكون خطوة إلى الأمام في مأسسة الحياة الحزبية في العراق وايضا إلى تنظيم سلوكها الحزبي وعمل على إخضاعها إلى مراقبة ومحاسبة مؤسسات الدولة الرقابية، ومن الفضاءات السلوكية للأحزاب السياسية التي جاهد هذا القانون إلى تنظيمها للحد من مظاهر الفساد هو موضوع التمويل السياسي.
ولست بمعرض الدفاع عن اهمية وجود الاحزاب في المشهد السياسي العراقي من عدمه، ولكن اقول وبشكل عام تعدّ الأحزاب السياسية من العناصر الأساسية الفاعلة في أي نظام سياسي بصورة جماعية ومنظمة في الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، وفي إدامة وتطوير الأساليب الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية بغية توسيع المشاركة السياسية للمواطنين، اذ يستند الإطار القانوني لتشكيل الأحزاب السياسية إلى الحق العام في حرية التنظيم وفي حرية التعبير و التجمع السلمي، ولاشك في أن تلك الحقوق قد تم تضمينها في الغالبية العظمى من دساتير دول العالم ولايكون العراق بمنأى عنها .
أقرأ ايضاً
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي