- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إدراك الحلول في إعادة كتابة الدستور !!
بقلم: مازن صاحب
لم اتعود كتابة السجع اللفظي، واهتم بطرق الفكرة مباشرة وبأقصر الكلمات، لكني اليوم وجدت في هذا العنوان ما يبرر استخدامه، فالكثير من المحللين والنخب المثقفة، بما فيهم دعاة التغيير السياسي نحو الأفضل من داخل العملية السياسية وخارجها، يناورن في تضليل الراي العام المتظاهر في ساحات التحرير عن اليات دستورية، مدد قانونية، منظور شكلي لمضمون تشكيل حكومة تصريف اعمال، او تطبيق المادة كذا من الدستور، او المادة الأخرى عن صلاحيات رئيس الجمهورية، والجميع يتفق على ان هذا الدستور ملغوم بمفاسد المحاصصة، وكتب على عجالة تمثل ترسيخا لأجندات حزبية سبق وان اتفق عليها في مؤتمر لندن لأحزاب المعارضة العراقية، المتصدية اليوم للسلطة، وان لابد من ادخال تعديلات جوهرية، سرعان ما انبرى الموقف الكردي، ليشدد موقفه بان أي تعديل للدستور لابد وان يأخذ بعين الاعتبار ما يوصف في البلاغة الإعلامية للأحزاب الكردية (حقوق الشعب الكردي)!!
أولا لست ضد أصدقائي واهلي من العراقيين الطيبين في مدن الإقليم الكردي، ولا يمكن لي وارفض أي دعوة لشن أي نوع من العدوان ضدهم، ولكن الصراحة راحة وهناك قول كردي مأثور (الكلام كثير.. وما يفيد كلمتين فقط)!!
وثانيا، لا ادعو ادراك الحلول في إعادة كتابة الدستور، الا ان يكون العراق بهوية وطنية واحدة، فدماء ساحة التحرير اليوم نقلت التمسك بجمرة هذه الهوية لعراق واحد وطن الجميع بالأسود والأبيض ولا توجد منطقة رمادية فيما بينهما، فأما التمسك بالهوية الوطنية العراقية بشروطها التي ترفض ازدواجية الجنسية والولاء السياسي، او ان تعلن الأحزاب صراحة انها لا علاقة بها بالوطن الا مفاسد المحاصصة التي جعلت النخب العراقية تستذكر مقولة المرحوم الشيخ زايد بن ال نهيان عند تأسيس الامارات العربية المتحدة، بانه يسعى لتكون أبو ظبي ودبي مثل بغداد والبصرة!!
وثالثا، استمرار المماطلة والتسويف من أحزاب مفاسد المحاصصة وحكومتهم العميقة، تزيد من فجوة الدم، والارتباك الواضح في تسمية بديل لرئيس الوزراء، يؤكد بلا جدل ان هذه القيادات السياسية غير قادرة على الاتيان بحلول، وانسداد العملية السياسية عند هذا الأفق المخضب بدماء الشهداء والجرحى، يتطلب الاعتراف بعقم حلول مفاسد المحاصصة، والعمل على حلول غير نمطية متجددة تستلهم متطلبات ساحات التحرير.
لذلك يطرح السؤال الأبرز والاهم، هل ما يطرح فقط مطالب شيعية، ام مطالب كل العراقيين ؟؟
الجواب الصريح والواضح انها مطالب جميع العراقيين بشتى شرائحهم الاجتماعية، من اجل وطن ينهض من ركام رماد مفاسد المحاصصة، وليس ثمة حلول الا بتشكيل لجنة حكماء لإعادة كتابة الدستور من جديد والعمل على بلورة عملية سياسية جديدة.
وابرز ما يمكن ان يتضمنه العقد الاجتماعي الدستوري الجديد الذي ادعو اليه في الاتي:
أولا: العراق وطن واحد سيادته على أراضي اقليمه المعترف بحدوده دوليا، واي تشكيلات أخرى، أقاليم او محافظات غير مرتبطة بإقليم، تفويض اداري من السلطة الاتحادية، محصورة في الامور الخدمية فقط.
ثانيا: تأسيس الأحزاب قائم على عقد اجتماعي يضمنه الدستور بان هذه الأحزاب تمثل جميع شرائح المجتمع العراقي في جميع أراضيه من زاخو الى الفاو، ومن طربيل حتى مندلي، وعلى كل حزب ان يقدم هيأة تأسيسية بعدد لا يقل عن 5 الاف مواطن من جميع انحاء العراق لا تقل عن عشرة محافظات.
ثالثا: اختيار شكل النظام السياسي لحكم العراق قائم على ان المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، دون اية امتيازات في فرص العمل، والعمل الحزبي والبرلماني والتصدي للمناصب السيادية تطوعي بلا رواتب او امتيازات خارج عن المألوف في العرف العام وفق حاجات الشعب الأساسية، ويكون راتب المدير العام اعلى راتب في الدولة، يضاف اليه فقط مخصصات منصب لبقية المناصب بمتوالية حسابية حسب الموقع السيادي، دون صرف اية رواتب تقاعدية لأي منصب برلماني او تمثيلي في المحافظات، وتنتهي اية امتيازات للمنصب في حالة الخروج عنه للتقاعد او أي سبب اخر.
رابعا: الجنسية العراقية تمنح لكل عراقي من ابوين عراقيين بالولادة مقيمان بصفة دائمة في العراق لفترة لا تقل عن عشرة سنوات، والقوات المسلحة عراقية، لها استراتيجية وطنية معروفة وواضحة، تتحول الى نموذج تدريبي في التعبئة العامة لصنوفها، وتكون السياسة الخارجية عراقية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن فقط.
خامسا: يكشف كل موظف في الدرجات الخاصة، او أي هيأة تأسيسية لحزب، عن الذمة المالية ما قبل عام 2003 وما بعده حتى موعد الترشيح للمنصب او المشاركة في تأسيس الحزب او التسجيل ككيان سياسي للمشاركة في الانتخابات.
ومع الالتفات الى اي إضافات أخرى يمكن ان تطرح من ساحات النقاش في تظاهرات التحرير، فان الطريقة الأمثل لتشكيل لجنة الحكماء التي ربما تشكل من قيادات مجتمعية تتضمن احد أساقفة الديانة المسيحية في العراق، احد علماء الدين في المجتمع الفقهي العراقي، معتمد للمرجعية الدينية العليا، قيادات المنظمات المهنية والاقتصادية، ضباط جيش وشرطة متقاعدين، اكاديميين متخصصين بالفقه الدستوري وقضاة متقاعدين، ربما نحتاج الى خمسين شخصية عراقية بهذه المواصفات، اكثر او اقل، يقومون باعتراف مجلس النواب وتخويله العلني، دون أي تدخل منه في تشكيلها، بإعادة كتابة الدستور خارج ضغوط او اعتبارات مفاسد المحاصصة، خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، مع اعداد قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات ومفوضية الانتخابات، في مدونة دستورية واحدة، يحدد فترة 3 اشهر للاستفتاء الشعبي العام عليها كدستور جديد للعراق، وانتخاب مجلس نواب جديد.
حين تسلم النيات فقط، يكون هناك دورا إيجابيا للأمم المتحدة في تشكيل (لجنة الحكماء) كلما نحتاجه فقط 6 اشهر، لتشكيل حكومة جديدة بدستور جديد، عندها ترتفع دماء شهداء ساحات التحرير الى رب العزة ذي الجلال والاكرام، بان هذه الدماء لم تسفك هدرا، بل اينعت واثمرت دولة مدنية عصرية جديدة، دون ذلك سيكون هناك ثمنا باهضا من هذه الدماء الزكية في ثورة الشعب التي لم تنته الا بالتغيير الشامل المنشود.