عبد الحميد الصائح
لايمكن لعاقل أنْ يجد بطاطا أو طماطة بسعر ربع دينار للكيلو ويشتري بطاطا أو طماطة بسعر نصف دينار للكيلو من السوق نفسه. لاسيما اذا كانت البضاعتان متقاربتين في الجودة.
واذا ما كان جميع المتسوقين عاقلين وعقلاء و عقلائية في العراق. فانهم حتما - دون قصد - سيقتلون الزراعة العراقية ويهينون الفلاح العراقي الذي أصبح تحت رحمة الوزارات الفاسدة والمديريات المختلسة وهي تحتقر الزراعة العراقية، تضغط عليها و تبتزها، فيما تتيح لتجار السِحْت الحرام استيراد الفواكة والخضرورات والمواد الصناعية والزراعية الإخرى من الدول المجاورة بتسهيلات وتواطؤ ملحوظ، فتأتيك بأسعار أقلّ بكثير من سعرالبضاعة الوطنية.
في مثل هذه الحال القرار الحكيم يكون بالغاء أو تحريم الزراعة وجعل الفلاح العراقي يغادر أرضه ويعمل حمّالا في ألاسواق التي تسوّق البضاعة الأجنبية، بدل ضياع الوقت في الزراعة والسقي وانتظار ايام الحصاد. و معنى الغاء الزراعة والصناعة يعني الغاء الوطن.
ربما يستغرب أحد أنْ ابدأ بالطماطة والخس موضوعا عن مصير الوطن ووجوده،لكنها الحقيقة، لاننا اعتدنا ان نتعاملَ مع الوطن من منطلق شعري فلسفي فوقي، من منطلقِ الحرب والسّلام والولاء والخيانة والتسليح والتحالفات، تاركين ركائز الحياة الأساسية تنتهك،الأرض بائرة والأنهر ناشفة والعمال عاطلين والفلاحين بؤساء والمستشفيات اسطبلات بلا عناية، والكفاءات تهاجر، ونتحدث عن التاريخ والمستقبل والحدود وتقسيم البلد والخرائط المفترضة التي تضعها مراكز النفوذ الدولية. وكل هذا ليس له أدنى قيمة ازاء شرايين الحياة وبِنية البلد والمجتمع الاساسية، تلك بايديهم وهذه بايدينا، فالجائع ومن تنتهك عائلته وحياته وشرفه، تكون العدالة لديه اهم من الوطن. والمواطن المنتج يرى في حمايته بالقانون واجراءات السلامة والدعم اهم من الحفاوة الاعلامية التي تزول بعد التصوير!
في بريطانيا، الفلاحون طبقة ثرية، وهذه البلدان الرأسمالية التي تحسب الموارد فلسا فلسا لاتفرط بالعائلة والمجتمع الزراعي الذي جعلته اكثر طبقات المجتمع ترفا وثراء، من توفير أراض بأسعار رمزية وقروض ميسرة لشراء المكائن الزراعية وتوفير التكنلوجيا الحديثة الى بيعهم الوقود بأسعار مخفضة. والأهم من ذلك توفير شركات التصنيع والتعليب والتغليف والتسويق التي تنصب أجهزتها داخل المزارع. هذه المميزات " الوطنية " هي التي تجعل المنتوج المحلي قادراً على منافسة السلع المستوردة لاسيما في أسواق أوربا المفتوحة لكل منتوج من جميعِ انحاء العالم.
الثرورة الطبيعية في أي بلد ليست ميزة له ولأنسانه،لانها ثروة جاهزة موروثة ومنزلة من السماء، الميزة الحقيقية هي في تصنيعها واستثمارها وتحويلها من مصدر احادي متذبذب الى مصادر انتاجية ثابتة لاتؤثر فيها تقلبات الاسواق ولاتتلاعب بها المصالح، خلاف ذلك وببساطة شديدة مايحدث لدينا هو جريمة سياسية واقتصادية ليس المواطن ضحيتها فقط بل الوطن نفسه.
أقرأ ايضاً
- أسطورة الشعب المختار والوطن الموعود
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية