- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نبوءة ملا لفته ومأساة ام موسى
بقلم: عادل الموسوي
قبل ايام توفيت العجوز ام كاظم في العمارة..
توفيت لتلتقي ابنها المعدوم ظلما قربانا لمباديء البعث.
عجوز احدبت ظهرها مساحة من تاريخنا العراقي..
وكأي قصة مأساة سأمتها آذان من كان بمنآى عن استشعار لحظات الذعر من مداهمة رجال امن النظام..
واستهلكتها اقلام الاحزاب طلبا لزيادة الرصيد النضالي وزيادة اعداد الشهداء في سجلاتها..
وروتها الثكالى بين انين ونواح وندبة حتى ابيضت العيون واشتعلت الرؤوس شيبا ووهنت العظام..
لم تعد تلك الصور مثيرة لتكرر امثالاها..لم تعد الا ذكريات مرة نستذوق حلاوة روايتها مع من عاشها من اصحابنا..
لقد عرضت بطريقة استهلاكية مؤسفة.. ربما لان الاغراض والنوايا لم تكن كما لابد ان تكون..
وكذلك قصص شهدائنا.. مآسينا.. مقابرنا الجماعية.. وكأني استشعر الان كيف استقبلت بعض المشاعر صورة " مقابرنا الجماعية " وكيف ان صفحة الذهن تريد قلب صورتها على استحياء كالانتقال من قناة تعرض تلاوة او محاضرة دينية او " لطمية " الى قناة غيرها.. للاسف لانها قدمت او اريد لها ان تقدم بهذه الطرائق البائسة المتخمة.. اصبحت مبذولة على مدار الاربع والعشرين، رخيصة بعد ان كانت عزيزة.. الكتاب.. الشريط..محاضرة الدكتور على اذاعة الجمهورية.. تلك الكنوز التي ربما غامر من تداولها بتهمة الانتماء الى الحزب العميل.. غدت غير عزيزة ومثلها قصص شهدائنا.. ولا ادري ان كان فات الفوت بعد العروض الاولى الفاشلة ام لا ؟
وهل بإمكاننا عرض تلك القصص بأشكال اخرى اكثر قبولا ام لا؟
على كل حال ليس الغرض من هذه القصة اجترار الاحزان او كما هو الحال عند العراقيين يتنافسون ايهم اكثر مأساة " يمعود انت زين لعد آني شگول " بقدر ماهو التقاط لبعض الصور من زوايا قد تثير بعض الاهتمام ورسالة الى ابنائنا من مواليد الالفينات والتسعينات ان: رويدكم.
نعم توفيت ام كاظم.. كغيرها من مئات العجائز.. وعجيب انها لم تمت كمدا الا بعد خمس وثلاثين عاما..
كان رجال الامن ينتظرون كاظم في محل عمله، وكان المبرز الجرمي في درج منضدة المبيعات صورة للسيد الخميني..
هل كان كاظم في حزب الدعوة ؟
عفوا.. فلابد من العودة الى مقدمات هذا الاعتقال..
كاظم من اهالي العمارة مدينة السلام.. يعمل بالبصرة.. له ولد وبنت جواد وانتظار..
علم بتحركات رجال الامن فترك البصرة راجعا الى مدينته..
احد الرفاق كان على علم بتحركات الامن.. اواه في منزله الذي كان قيد الانشاء بحجة العمل.. تأسيسات كهربائية وصحية.. واظنك ضننت ان احدا معينا سيشي به!!
عبد الغفار 16 عاما القي عليه القبض بدلا من اخيه كاظم.. كان ذلك عام 1982 بعد 6 اشهر من وفاة والدهما..
افرج عن عبد الغفار لعدم الفائدة بعد بعض الوان من التعذيب..
اخبر كاظم بمداهمة الامن لمنزله وأعطي عنوانا لجماعة في بغداد - الثورة، فوصلها فآووه انتظارا لتدبير امر الهروب الى سوريا.. فشلت المحاولات واستغرق الايواء شهرا وزيادة.. تحركات الامن باتت قريبة.. وكأي من كانت له حاسة لاستشعار رجال الامن فلابد له من ترك المكان..
في كربلاء استقر كاظم لسنة تقريبا بتزوير دفتر الخدمة بإسم كاظم ايضا مع اختلاف اسم الاب والجد.. رافق كاظم من بغداد صديقه عبد الزهرة..
فتحت على كاظم ابواب الرزق وفتح محلا كبيرا لبيع المواد الكهربائية والصحية وكان باذلا للمال متصدقا مساعدا للفقراء ومنهم احد السادة كان فقيرا معدما له بنات وله ارض لايستطيع بناءها.. ساعده كاظم في مبالغ البناء الى حد معتد به الى ماقبل التسقيف.. وبينما هو راجع - من الاشراف على البناء - وجد رجال الامن بإنتظاره في محل عمله..
لقد تم مطابقة معلومات امن البصرة والعمارة وبغداد مع ما تم الابلاغ به من معلومات في كربلاء.. مهلا.. لا تقل ان الواشي كان الفقير الذي ساعده كاظم!!
هل التقطت - انت - الصورة ؟ قبل ذلك التقطت صورة ليست للنشر لان زاويتها كانت حرجة!! بالواقع ان كلا الصورتين حرجتان.
عبد الزهرة لم يكن موجودا حين داهمت قوات الامن منزله فلم يجدوا الا زوجته الحامل التي اسقطت جنينها.. نصحه البعض باصطحاب احد الرفاق شفيعا للتسليم الى مديرية الامن.. بعد المقسوم من الوان الضيافة لدى الامن افرج عن عبد الزهرة فليس لديه شيء.. وربما كان كاظم كذلك فلا اظن ان من كان منتميا يجازف بالاحتفاظ بصورة، وحقيقة لا اجزم لكن عبد الغفار اكد ان كاظم كان منظما..
افرج عن عبد الزهرة لكن انى له التخلي عن توجهاته وانى للنظام التخلي عن بطشه.. نهاية المطاف وبداية الخلاص عبد الزهرة شهيدا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وهذه الصورة اريد ان يلتقطها ابناءنا التسعينيون!! فهل هي واضحة ايها الابناء ؟ فعلى رسلكم معنا.. رويدكم!
ارسل كاظم مخفورا محجورا الى الامن العامة ببغداد..
بعد سنوات طوال - اكثر من 20 عاما - آن لاحد اقرباء كاظم الحديث وكان من رجال الامن او من حراس المحاجر، قال: لقد رآني كاظم وغض الطرف عن معرفتي لئلا تنالني نقمة النظام لما يجمعني بكاظم من قرابة!!
ان شئت فالتقط للقرابة في العهد البائد صورة..
وقال: في مرة وانا امر بقرب الزنزانة همس كاظم من وراء ظهره.. لا اريد اي شيء فقط ان ترمي لي السجائر عند مرورك من هنا..
- غفار: وهل اجبته الى ما اراد ؟
- القريب: كلا.. بل لم امر بتلك الزنزانة بعد ذاك.. لكني علمت انهم رحلوا الى مكان اخر، سألت عن النزلاء بعد ذلك بفترة سؤالا عرضيا، فقيل لي: لقد رحلوهم الى الرضوانية..
وكل من يرحل الى الرضوانية فقد رحل معدوما الى الآخرة..
وبأمكانك التقاط ماتشاء من صور.. ولما يأتي ايضا لان زوايا التصوير صارت معلومة على ما اظن لديك..
استدعاءات الامن وتحرياتها مستمرة لعائلة المعدوم.. عبد الغفار يكاد يبلغ سن التكليف الاجباري.. مضايقات الامن مستمرة وحالة من المقاطعة مؤلمة.. فبعد ان كان الناس يحلفون برأس الملا لفته - جد كاظم - باتوا يخافون الاقتراب منهم، كان يطلق على ذلك البيت: " بيت الخمينية "
فما كان من ام كاظم الا ِ" فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْك" فخرج عبد الغفار خائفا الى بغداد يترقب.. ولما بلغ اخيه جعفر ما بلغ تبع اخيه الى بغداد..
اما جعفر فبعد انكسار الجيش بعد غزو الكويت.. وصل رفحاء.. كندا.. السويد ولا يزال مقيما فيها.. زار العراق بعد الخلاص فرجع - ربما - غير مقتنع بالخلاص..
عبد الغفار سكن عند عمه في بغداد بعد ان وصل العم من البصرة بعد فترة من الافراج بعد فترة ليست بالقصيرة من الاعتقال.. نهاية المطاف لعبد الغفار ان زال كابوس النظام من حياته وخرج من سنوات المحنة بمسكن متواضع في زاوية من احدى مباني النظام البائد المهجورة.. عندما التقاءه احد المعارف من العمارة قال: كنت اتصور ان يكون " بيت ملا لفته " بعد سقوط النظام وزراء او اعيان.!!
اما ملا لفته: فمؤمن عابد له مكتبة، معلم للقرآن واللغة، مطلع، يلجأ اليه صاحب الحاجة، حكيم تحل عنده النزاعات، من لطائفه: ان لا يحلف بالقرآن احدا بل يعمد الى اي كتاب يغطيه بقماشة خضراء.. خشية الجرأة على القرآن الكريم باليمين الكاذبة..
- عبد الغفار: كنا صغارا اذ كان جدي يعلمنا العربية ويقرأ لنا الاحاديث ويوصينا الوصايا.. وفي حدود عام 1976 تنبأ بأمر لم يأخذ حيزا في تفكيرنا لصغر اعمارنا ولم ندركه الا بعد وقوعه بعد مايقرب الاربع سنوات.. انها الحرب.. العراقية - الايرانية.. كان يوصينا بتجنب الدخول فيها بكل الوسائل وافهمنا اين الحق واين يقع الباطل وان بينهما شعرة واوصانا برجل لم يذكر لنا اسمه صريحا.. لذا لم ندخل انا وإخوتي تلك الحرب اللعينة اما اخي كاظم فأعدم رغم عدم اعترافه بإنتماءه لتنظيم لكن ماثبت عليه احتفاظه بصورة الرجل الذي اوصى به جده وكل ما اعترف به انه يحبه حبا شخصياً وليس له علاقة او انتماء الى حزب.
عام 1979 زار ملا لفته اقاربه ببغداد وودعهم ورجع الى العمارة ونزل قبل وصوله داره عند بعض اقاربه اراد منهم ان يصنعوا له " بيض وسياح " تناوله فحمد الله، امرهم ان يفرشوا له فراشا الى القبلة ففعلوا، فإستلقى وودعهم وبلغ تحياته الى اولاده واقاربه وابرأهم وطلب ابراءه، وقال: اشهد ان لا اله الا الله، واشهد ان محمد رسول الله ص، واشهد ان عليا ولي الله، ثم اغمض عينيه ومات رحمه الله.
ولك في هذا المشهد ماشئت من صور..
اما انا فما سألتقط صورة ربما سيكون من مسافة بعيدة جدا وزاوية حادة جدا..
ملا لفته رجل مؤمن بسيط اوصى بوصايا نافذة تحمل احفاده وامهم ام كاظم مأساتها عمر انسان..
وقضينا نحن في التيه عمر انسان ونصائح مصلحنا لا تعيها اذن واعية ؟
" ويبقى الامل قائما بتضافر جهود الغيارى لتصحيح مسار الحكم.."
" تصحيح مسار الحكم "
هل اظن ان صوري كانت واضحة ؟!
الى ارواح ابطال قصتنا الفاتحة.
أقرأ ايضاً
- المجتهدون والعوام
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء