عباس الصباغ
لم تكن غريبة يوما ما ظاهرة العنف والتمييز العنصري ضد المهاجرين ومنهم المسلمون في الغرب وهي ظاهرة مستقاة من فلسفة الاسلامفوبيا (Islamophobia) التي تعني التحامل والكراهية والخوف من الإسلام أو من المسلمين والتي تنامت إثر هجمات 11 سبتمبر/ 2001، وتتزايد مع كل هجوم إرهابي في الغرب،، إلا أن مصطلح الاسلامفوبيا والمفهوم الأساسي له تعرّض لانتقادات شديدة ورافضة له كونه عدّ نوعا من انواع التمييز العنصري غير المقبول اخلاقيا، والاسلامفوبيا استفحلت كثيرا بعد انتشار ظاهرة العنف الدموي الذي تمارسه الجماعات السلفية ذات التوجه التكفيري الاقصائي والقروسطي المتوحش لجميع من يخالفهم في الراي كتنظيم القاعدة الذي فرّخ تنظيم داعش في نسخته العملية التي ظهرت في العراق وسوريا ومناطق اخرى والذي قد يفرّخ عن نسخ اخرى قد تكون اكثر توحشا ودموية في المستقبل وهذا متوقع، وهناك سبب آخر لتفشي ظاهرة الاسلامفوبيا يكمن في استفحال نزعة التطرف اليميني في كثير من الاوساط المجتمعية والسياسية الغربية، فمازالت ممارسات الكراهية تتصاعد بحق المهاجرين في عموم الغرب فضلا عن الولايات المتحدة وبأشكال شتى من الاعتداءات الجسدية والكلامية وصولا الى القتل نتيجة تنامي الشعور الشعبوي اليميني لدى الكثير من الغربيين، والانكفاء نحو الهويات التي تمقت الاخر وتفضّل الانعزال عنه او طرده، فلانستبعد ان يكون سفاح نيوزلندا نتاج هذين السببين. وباختصار ان السبب الرئيس في تجّذر نزعة الاسلامفوبيا في المجتمعات الغربية هم اصحاب الاسلام المتطرف الذين يفسرون النصوص الدينية بديماغوجيا متحجرة ويطبقّون تلك التفسيرات على الابرياء قتلا وسبيا ودمارا وابرز مثال على ذلك مافعله داعش في المناطق التي استولى عليها وانتشر فيها، وهو ما ولّد ممارسات عنصرية ـ كرد فعل ـ اساسها الكراهية والعداوة والخوف من انتشار هكذا اسلام في المجتمعات الغربية القائمة على اسس مدنية متحضرة، وكانت التصرفات التي يقوم بها بعض المتطرفين ضد مواطنيهم المهاجرين او المسلمين تفسّر امام الراي العام في بعض الاحيان، بان يتم الصاق تهمة (التخلف العقلي) او الدوافع النفسية المريضة على فاعليها الذين يحظون بعقوبات مخففة في نهاية المطاف حسب القوانين الغربية التي تمنع عقوبة الاعدام وذلك "تخفيفا " للصدمة على رجل الشارع، او لعدم اظهار قوات الامن بمظهر العاجز امامها حتى وان كان الفاعل جزارا متوحشا يقتل العشرات من الابرياء والعزل بدم بارد وفي مناسبة دينية بحتة كما حصل الجمعة الفائتة في مسجدي “النور” و”لينوود” في مدينة كرايست تشيرش، جنوب نيوزلندا، في هجومين إرهابيين استهدفا هذه المملكة الكومنويلثية الهادئة والتي يغلب المهاجرون على سكانها وخاصة الاوربيين والاسيويين ومن اصول استرالية القريبة منها ومنهم السفاح القاتل، والغريب في الامر ان نيوزلندا من البلدان المتقدمة، حيث تصنّف عالمياً في التصنيفات الدولية في كثير من المواضيع بما في ذلك التعليم والحرية الاقتصادية وانعدام الفساد كما تصنّف مدنها أيضاً باستمرار بين الأكثر ملاءمة للعيش في العالم والاكثر رخاء، ولانبالغ ان قلنا لم تشهد نيوزلندا احداثا عنصرية دامية من هذا النوع في تاريخها فهي مملكة وادعة تنام في حضن المحيط الهادئ يؤمّها المهاجرون من كل حدب وصوب ومن كافة الديانات والمشارب العقائدية ومنهم المسلمون وهم متعايشون سلميا مع جميع سكان نيوزيلندا ولاتوجد اية مشاكل عنصرية او مذهبية تنغصّ عيشهم وتثير القلق، لكن الذي يثير القلق اكثر هو تزامن حدوث مجزرة نيوزيلندا المروعة مع احداث اخرى مشابهة وللغرض نفسه في بريطانيا وفي هولندا ، وإن كانت بمستوى اقل وهو مايشي باستفحال ظاهرة الاسلامفوبيا في تلك المجتمعات التي اعتادت على نزوح موجات كثيرة ومتعاقبة من كافة انحاء العالم الثالث وخاصة من منطقة الشرق الاوسط اي يكون غالبية النازحين من المسلمين وبكافة الوانهم المذهبية فلم توجد اية مشكلة طيلة العقود التي شهدت موجات النزوح والهجرة التي تسببها إمّا عوامل سياسية بسبب سياسة الحديد والنار والتمييز المذهبي والديني والاثني التي يمارسها اغلب حكام العالم الثالث، او بسبب الحروب الاهلية واخيرا الاعمال الارهابية التي تقوم بها التنظيمات التكفيرية كداعش والقاعدة وبوكو حرام من التي اظهرت الاسلام الحنيف المعتدل بمظهر قبيح ودموي امام الراي العام العالمي .