- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية العليا تدقّ ناقوس الخطر بوجه النخب العراقية!
بقلم: نجاح بيعي
قراءة في خطبة جمعة كربلاء 15/3/2019م الثانية.
.
ـ (ما هي السبل الصحيحة لإدارة الإختلاف)؟. عبارة خطيرة جدا ً إستهل بها مُمثل المرجع الأعلى ـ الشيخ "الكربلائي" خطبته عبر منبر جمعة كربلاء في 15/3/2019م وأردفها بـ(الإختلاف مسألة طبيعيّة ـ تنطلق من ـ داخل الأسرة الى مواقع العمل الى المواقع المجتمعيّة) وضحيتها دخول النخب المجتمعية بكافة أصنافها وأنواعها ومنها العشائر والكيانات الدينيّة والسياسيّة في دوامة الإختلافات المُفضية الى نزاع فيما بينهم قد يتطور إلى صراع عواقبه وخيمة على الجميع.
ـ هل يوجد فعلا ً خلاف بين أبناء ونخب المجتمع العراقي حتى تضعنا المرجعية العليا أمام سُبل حلها أو إدارتها؟. ما أسباب ذلك الخلاف؟. وكيف نفرق بينه وبين خلافات أخرى تشترك بنفس النتيجة المُدمرة نزاع ـ وصراع ؟.
قبل أن تدُلنا المرجعية العليا على السبل الكفيلة لحل وإدارة تلك الخلافات, وتُبيّن طبيعة ونمط تلك الخلافات وتمييزها عن غيرها التي تشترك معها في النتيجة علينا معرفة أمور (3) ثلاثة تثبت وجود الإختلافات هي:
ـ أن تشخيص المرجعية العليا للأمراض المجتمعيّة وإعطائها الحلول المناسبة لعلاجها, إنما يندرج ضمن (النصيحة) المُنطلقة من موقعها الديني السامي الذي يؤهلها لأن تتبوء هذا المجال الخطير. وإذا ما عرّفنا النصيحة: بأنها (دعوة إلى الصلاح) وهي (نهيٌ عن الفساد) نعرف بأن (الناصح) لا يُمكن له أن ينصح أحدا ً ما دون وجود خلل أوعيب أوسوء ما في شخصيّة وسلوك ذلك الشخص, وإلا كان ذلك النصح أو تلك النصيحة لغوا ًوعبثا ً وربما تأتي بنتائج عكسيّة على الفرد والمجتمع. فمن غير المنطقي أن يصف الطبيب دواء لمرض غير موجود أصلا ً. فالنصح عند بعض العلماء هو (ذكر الإنسان بما يكره) لوجود (الفعل) السيئ المستوجب للنصيحة, ولكن (الناصح ـ المرجعية العليا) هنا ومن منطلق واجبها الديني ـ الشرعي, وبدافع حب الخير للآخرين يكون غرضهُ إزالة ذلك السوء والعيب منه هذا أولا ً.
ـ توجيه الكلام (النصيحة)من قبل المرجعية العليا عبر منبر جمعة كربلاء مُباشرة الى الشخص المعني أو الجهة المعنيّة تحديدا ًحيث قال بالحرف الواحد: (نوجّه كلامنا الى العشائر، ونوجّه كلامنا الى الكيانات المجتمعيّة، ونوجّه كلامنا الى الكيانات السياسيّة..) وما ذلك إلا لتوكيد وجود عيب اشتملت عليها تلك العناوين هذا ثانيا ً.
ـ وجود(الخلافات) إنطلاقا ًمن الأسرة التي هي اللبنة الأساسية لتكوين المجتمع, إلى النخب المجتمعية والعشائر والكيانات الدينية والسياسية (الأحزاب) هو ما نلمسه جميعا ً كواقع يومي مُدمّر في العراق لا يحتاج إلى دليل ثالثا ً.
فحذرّت المرجعية العليا في هذه الخطبة من (3) ثلاثة أنواع من الخلافات المجتمعية التي تشترك بالنتيجة ذاتها هي: (أن يتحوّل الإختلاف الى نزاعٍ والنزاع الى صراعٍ وتشتدّ الأزمة بسبب التصعيد والتأزيم الذي يؤدّي الى فشل الجميع وإضعاف الجميع) هي:
1ـ إختلافات الأسرة وسببها الظروف الصعبة وتنوع الأزمات وتعقد الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية التي تعصف بها, فلابدّ (أن يكون هناك احترام وتقدير لظروف الآخر من أجل تجاوز هذه المشاكل، وأن لا يصل الى حالة التفكّك الأسري وحالات الطلاق الكثيرة التي يشهدها المجتمع). إضافة الى اختلافات العمل (كأفراد داخل منظومة عمل) وسببه (اختلاف في الرؤية وفي كيفيّة إدارة شؤون العمل وفي كيفيّة حلّ مشاكل العمل) فيجب (أن لا يصل هذا الإختلاف الى حالة التقاطع والتشاحن والبغضاء بين أفراد المجموعة.. ولابُدّ أن يعمل الجميع بروح الفريق الواحد) لكي (نصل الى الحلّ المناسب).
2ـ إختلافات تأتي بسبب المطالبة بالحقوق, أو بسبب الإختلاف في الدفاع عن المبادئ والقيم والحقّ والعدل مع أهل الباطل والشرّ، أو بسبب الدفاع عن الوطن والمقدّسات والعرض الذي يحصل بسببه النزاع والصراع وهذا النمط من الإختلافات (ليس حديثنا.. لأنّ ذلك له بابه الخاصّ).
3ـ وهو الأخطر..إختلافات نابعة من (اختلاف أفراد البشر في الثقافات والأفكار والطباع والعادات والتقاليد) أو اختلافات نتيجة (التنافس بين أفراد البشر في الأمور المادّية والدنيويّة) أو اختلافات جراء (حبّ السيطرة والسلطنة والهيمنة) أو اختلافات أخرى هي (من مخلّفات الماضي التي قد تؤدّي الى النزاع بين المكوّنات المجتمعيّة) في إشارة إلى ذلك الكمّ من المشاكل والأزمات المتراكمة أبان فترة الحكم النظام التعسفي السابق لأكثر من أربعة عقود من الزمن ويُضاف اليها فترة ما بعد السقوط عام 2003م وللآن. والاختلافات المجتمعيّة على مراتب منها: ـ إختلافٌ بينك وبين أخيك المؤمن قد يصل الى حالة النزاع. ـ إختلافٌ بين كيانٌ مذهبيّ مع كيانٍ مذهبيّ آخر يختلف معه. ـ إختلافٌ بين كيانٌ دينيّ مع كيانٍ دينيّ آخر يختلف معه. ـ إختلافٌ بين كيانٌ اجتماعيّ كـ(العشيرة) مع عشيرةٍ أخرى تحتلف معها. ـ إختلافٌ بين كيانٍ سياسيّ مع كيانٍ سياسيّ آخر يختلف معه.
قبل أن تُعطينا المرجعية العليا الطرائق الـ(4) أربعة الصحيحة والشرعية والعُقلائية في التعامل الإيجابيّ لحل وإدراة تلك الخلافات والنزاعات والحدّ منها كانت قد حذرتنا من (3) ثلاثة تداعيات خطرة لكل اختاتف ونزاع وصراع بين المكونات المُجتمعية اشتملت عليها الآية الكريمة: (وأَطيعوا اللَّه ورسوله ولا تَنازَعوا فتفشلُوا وتذْهبَ ريحُكمْ واصْبرُوا إِنّ اللَّه مع الصَّابرين) والكلام موجه إلى العشائروالكيانات المجتمعيّة والكيانات السياسيّة تحديدا ً:
أ ـ الفشل فـ(فتفشلوا).
ب ـ ذهاب القوّة وهدر الكرامة والعزّة والسيادة ونصيبهم الضعف (وتذهب ريحكم) ويكونون طعما ً للآخرين وسيستضعفهم الآخرون.
ج ـ الوقوع في المحرّمات كالتسقيط الإجتماعيّ والغيبة والبهتان, وسيادة حالة التشاحن والتباغض والتناحر والعِداء والهجران بين أفراد المجتمع وبين هذه الكيانات.
ـ أما الطرائق الـ(4) الأربعة الصحيحة والشرعية والعُقلائية في التعامل الإيجابيّ لحل وإدراة تلك الخلافات والنزاعات هي:
الأولى: التجنب والتجاهل. الحلّ العقلائيّ هو أن يتجاهل الإنسان هذا الخلاف ويتجنّبه.
الثانية: التسوية والمصالحة. وهو ان يلجأ الإنسان إلى الحوار والتفاهم وتوضيح وجهات النظر المختلف عليها, وهذه نحتاج اليها داخل الأسرة وفي مواقع العمل وفي داخل المجتمع.
الثالثة: الإيثار والتضحية. وعملا ً بحديث الإمام الصادق(ع): (لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استحقّ أحدهما البراءة واللّعن وربّما استوجب ذلك كلاهما..) إذا كان المُستحق هو الظالم فما بالُ المظلوم؟. يقول الإمام (ع): (لأنّه لا يدعو أخاه الى صلته ولا يتعامس له عن كلامه).
الرابعة: إذا كانت الإختلافات والنزاعات في مسألة الحقوق المشروعة لابُدّ من الرجوع الى جهتين لا ثالث لهما:
1ـ الحاكم الشرعيّ لكي يُعطي حكمه. ولابُدّ من التسليم والإذعان بما يقرّره الحاكمُ الشرعيّ، عملا ً بالآية القرآنيّة (فإِن تنازعتُمْ في شيءٍ فرُدّوهُ إِلى اللَّه والرَّسُول إِن كنتُم تؤْمنون باللَّه واليومِ الآخرِ ذَلك خيرٌ وأحسنُ تأْويلا).
2ـ سلطة القانون.
ومن (دون هذه الطرق فإنّ الفوضى ستسود المجتمع وتُهدر الحقوق) ويصيب (الإضطراب الحياة الإجتماعيّة وتغيب الحياة المستقرّة والآمنة والمطمئنّة عن مجالات الحياة المختلفة).
ـ ما تقدّم يُعد صفعة قوية لجميع النخب العراقية, ودق لناقوس الخطر بوجهها لتصحوا من غفلتها, لأن أمم الأرض وشعوبها إنما تستعين بنخبها لتجاوز محنها وأزماتها المصيرية لا أن تكون جزءً من المشكلة والنكوص والتردي والإنحطاط.لذلك نبهت المرجعية العليا إلى أن مضامين هذا الخطبة إنما هي(دعوةٌ لنظم أمورنا) بمعنى يجب على النخب المجتمعية العراقية لأن تاخذ زمام المُبادرة بتخليص البلد من محنه وتكون جزءً فاعلا ً من الحل.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- مواجهة الخطر قبل وصوله
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات