بقلم | مازن الزيدي
حتى بعد انقضاء جلسة مجلس النواب الاخيرة الخاصة بأزمة البصرة، والتي اعقبها تخلّي الصدر عن حليفه العبادي ومطالبته وحكومته باعلان استقالتهم، كان تمسّك رئيس الوزراء بالولاية الثانية واضحاً رغم الاداء الفاضح الذي شاهده العراقيون خلال الجلسة.
فمن خلال استجابته السريعة لدعوة الصدر، كان واضحا ان العبادي يحضّر نفسه لمنازلة حاسمة مع خصومه السياسيين (الفتح - دولة القانون) من خلال خلط الاوراق وتحميلهم مسؤولية ما حصل في البصرة في يوم الجمعة الدامي.
فقد استعدّ رئيس الحكومة المنتهية ولايتها لجلسة البرلمان معولاً على انكفاء خصومه بتضميد جراحهم ولملمة ما تعرضت له مقراتهم من حرق وتدمير. كان يراهن ايضا على مقاطعة هذه الجهات لجلسة البرلمان لكي يوجه كعادته اتهاماته من دون ادلة، وليسدّد ضربته القاضية لمن يقف بوجه الولاية الثانية.
لكنّ رياح الجلسة لم تأت بما يشتهي العبادي وفريقه الحكومي، فلا الخصوم غابوا ولا الحلفاء دعموا، ولا محاولة اسكات محافظ البصرة نجحت. والنتيجة ان طالب الولاية خرج منزوعها، بتوقيع الفتح وسائرون.ومع كل المفاجآت التي شهدتها الجلسة الصاخبة، لكن رئيس الوزراء ظلّ متسلحاً ببصيص من الامل الضئيل عبّر عنه ببيان هاجم فيه الجلسة وادارتها، واعقبه بسفرة سريعة الى البصرة ليوجه من على ركام حرائقها اتهاماته المجانية الى خصومه.
وفي غمرة محاولاته لتسجيل الاهداف في مرمى خصومه في الوقت بدل الضائع، جاء فيتو المرجعية على اعادة ترشيح العبادي باعتباره ابرز المتنافسين على المنصب.
لم يكن بإمكان جميع القوى السياسية، بمن فيهم زعيم التيار الصدري حتى عندما تخلى عن تحالفه، ان يقنعوا العبادي بتلاشي حظوظه بالولاية الثانية. وكان متوقعا جدا ان يواصل رئيس الوزراء مساعيه للتشبث بالمنصب معتمدا على الدعم الامريكي لو لم توضح مرجعية النجف موقفها الحاسم والحازم.
في الحقيقة ان موقف مرجعية النجف من العبادي انهى بشكل قاطع كل ما روجه واوحى به الاخير والمقربون منه والمحسوبون عليه من كونه يمثل خيار المرجعية العليا لإدارة دفة البلاد، مستغلّاً صمتها عن هكذا محاولات مكشوفة الاهداف والنوايا، واكتفائها بالتلميح عن التصريح.ففيما كانت المرجعية توصي بعدم تجريب المجرب، كانت ماكنة العبادي تقدم تأويلها وتفسيرها الخاص الذي يلائم طموحات الاخير بالبقاء لاربع سنوات اخرى.
وبينما كانت تنصح برئيس وزراء تتوفر فيه مواصفات الشجاعة والحزم والقوة، كان المتحدثون باسم العبادي وجيوشه الالكترونية تدافع عن انطباق هذه المواصفات عليه مضيفة على ذلك مزايا اخرى اسقطتها المرجعية كالحنكة والمقبولية الدولية والنجاح الاقتصادي.
فطيلة السنوات الاربع كانت هناك جهود داخلية وخارجية لتقديم العبادي بوصفه ممثلا حصريا لاعتدال مرجعية النجف في مقابل تطرف مرجعية قم وولاية الفقيه. كنّا طيلة السنوات الماضية نطالع مئات المقالات والتقارير والدراسات التي يكتبها عشرات الكتّاب في صحف ووسائل اعلام عراقية وعربية واجنبية، وهي تركز على رسم حدود معركة طرفها مرجعية النجف والعبادي المدعوم امريكيا وخليجيا من جهة، والحشد الشعبي والمالكي المدعومين من ايران وولاية الفقيه التي تريد السيطرة على حوزة النجف ومرجعيتها، من جهة اخرى.
كانت الخطة واضحة تقوم على تحييد اكبر مرجعية روحية في البلد، بعد مشاهدة دورها الكبير والمؤثر في تقويض مخطط التقسيم الذي جاء به تنظيم داعش. كما تقوم الخطة ايضا على شقّ الصفّ العراقي عبر تقسيم العراقيين الى اتباع النجف وإتباع ايران.
وبذلك يتم تعبيد طريق الولاية الثانية عبر احتواء المرجعية وزجّ الشعب بانقسام كاذب ومفتعل تجلّى بشكل واضح في الاحداث الدامية التي شهدتها البصرة مؤخرا. لقد بدأت فصول هذا المخطط من اول يوم لتولي العبادي لمنصبه، فكان واضحاً اهداف العزف على نغمة الحشد ومرجعيته الدينية هل هي النجف ام قم؟ وليس بعيدا عن ذلك التركيز على التشيع العروبي مقابل التشيع الفارسي. وتواصل العزف على نغمة مستقبل الحشد والدور الايراني في حربنا ضد داعش، والحديث عن ضرورة وجود صيغة سياسية تعقب مرحلة القضاء على التنظيم.
لكن وكعادة الخطط التي تكتب في الخارج ولا تأخذ بنظر الاعتبار المفاجآت والمتغيرات، فقد جاء الموقف الاخير لمرجعية النجف ليضع ختم البطلان على هذا السيناريو الذي جيشت له جيوش كبيرة احتلت الفضائيات وتصدرت الصحف وملأت مواقع التواصل الاجتماعي.
هكذا بكل بساطة ينهار جدار عال من الاكاذيب والتضليل الذي اشتغل على تسطيح وعي العراقيين والرهان على التلاعب بذاكرتهم باختلاق موجات متوالية من الشائعات والازمات التي تشوش الرؤية وتجعل الحق باطلا والصديق عدوّاً.
أقرأ ايضاً
- كيف ادار العبادي الازمة المالية ؟!
- العراق على مفترق طرق بعد موقف سماحة السيد مقتدى الصدر الأخير؛ اما النجاة او نهاية دولة اسمها العراق
- نعم البكر طلب من الصدر ان يؤلف له كتاب باسمه