طالب عباس الظاهر
مفردة الغضب عند سماعها لأول وهلة، يحملها السامع ربما على صفتها المذمومة، أو يخطر على ذهنه مباشرة حين ورودها في الكلام جانبها السلبي فقط، وهو فقدان منطق العقل، وانفلات الأعصاب، وضياع الاتزان، وعنف المصادمة، والطيش والتهور.
أما جانبها الايجابي المحمود.. ربما في الغالب سيكون عليه نوعا من التشويش في ذهنية الناس أو في تفكيرهم، وهذا الجانب المحمود والإيجابي من الغضب هو مثلا.. غضب الدفاع عن النفس أو العرض أو المقدسات.
أو الغضب عند ضياع الحقوق أو سلبها، سبيلا الى المطالبة بها من أجل استرجاعها.
غريزة
الغضب هو ضمن التكوين الطبيعي للإنسان، يولد الغضب مع ولادة الإنسان السوي، بمعنى أدق إن من الطبيعي أن يغضب الإنسان في مواقف معينة تستوجب الغضب.. لكن غير الطبيعي هو الإنسان الذي لا يشعر بالغضب.. حينما يستوجب الموقف منه الشعور بالغضب.
وإذا لم يغضب المواطن بمثل هذه المواقف التي تتطلب الغضب؛ تنطبق حينئذ عليه صفات ذميمة تقدح بشخصيته الإنسانية.. كأن يوصف باللا مبالاة، أو البلادة، أو الأنانية أو فقدان الشعور بالمسؤولية.
فكيف يندفع الإنسان مثلاً الى التصدي لتجاوزات المعتدي دون غضب؟
أو كيف لإنسان طبيعي نفسياً لا يغضب لسلب حقه؟ أو مس كرامته والاعتداء على شخصه أو التجاوز على أحد أفراد عائلته؟
وهناك طبعاً حالات أخرى أيضاً مثل الغضب عند سلب الحقوق، وانتهاك الحرمات، والاعتداء على الأعراض وغيرها من حالات كثيرة سيكون البرود فيه هو المذموم وليس الغضب.. بل بالعكس بمثل هذه الحالات.. الغضب فيها هو المطلوب.
مواطنة
إن أبسط مفاهيم المواطنة الصالحة وحقوقها على جميع المواطنين، أي ممن يعيشون على أرض الوطن ويتنعمون بخيراته، هي الاستجابة الواعية لمتطلبات هذه المواطنة الصالحة، بالحرص على الوطن من خلال المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة؛ والوقوف بوجه من يحاول أن يتخذ التخريب سبيلاً، والغضب المنفلت منهجاً، تحت عنوان الغضب، وهي ضمن حقوق الوطن الواجبة على مواطنيه.
فالمواطنة الصالحة هي إن المواطن يجب أن تغضبه سوء أحوال بلده، وتردي أوضاع مواطنيه، والموطن الحق يتألم عندما يرى ويلمس بلده يتأخر عن بقية البلدان في ركب الحضارة الإنسانية، يتألم ويغضب على ثروات بلده وهو يراها تضيّع وتهدر، ومستقبل بلده ومستقبل أجياله يقف في مهب الريح.
وكم سيكون الأمر مؤلماً حينما يكون رد فعل مواطن ما، باردا مثلاً، من خلال اللامبالاة أو عدم الاهتمام.. تجاه قضايا وطنه المصيرية.
حقوق
لاريب إن الحقوق لا يمكن أن تهدى هكذا بالمجان سواء للفرد كفرد أو مجموع الأفراد وهم الشعب، بمعنى يجلس الإنسان في بيته وتأتيه السلطة وتقول له تفضل هذه حقوقك كاملة!، هذا غير ممكن.. بل غير معقول، الحقوق يجب أن تأخذ ولا تعطى.. نعم تنتزع من غاصبيها أو منتهكيها.. ممن هم في مقام السلطة أو المسؤولية.
لكن السؤال هنا: كيف يمكن انتزاع مثل هذه الحقوق؟
ما هو الأسلوب الأمثل من أجل استعادة هذه المضيعات أو المسلوبات من واجبات الدولة تجاه حقوق مواطنيها؟
وللجواب على هذا أقول: بأن هناك أسلوبين.. أسلوب يعتمد العقل والمنطق ضمن آليات منظمة في المطالبة بالحقوق المشروعة، ومن ثم في حالة عدم الاستجابة؛ يتم التصعيد الى أساليب أخرى كالاعتصام أو الإضراب أو العصيان المدني السلمي وغيرها، أما الأسلوب الآخر فيعتمد المصادمة والعنف المباشر.
إذاً، هناك غضب منضبط يقع ضمن حدود العقل والمنطق، وهناك بالمقابل غضب منفلت لا يخضع إلا للأهواء الشخصية، والانفعالات الآنية، وهنا يكمن المحذور لأنه سيكون عرضة للاستغلال من جهات خارجية أو داخلية مشبوهة لا تريد الخير للعراق ولأهل العراق.
أخيراً، يجدر بنا أن نتساءل: أيهما هنا كأسلوب أفضل.. أسلوب العقل والمنطق أو أسلوب التهور والعنف؟ بل من منهما يمكن أن يعيد الحقوق المضيعة؟
فكما هو معروف فالعنف يقابله عنف مقابل كوضع طبيعي، وإذا تمت المطالبة بالحقوق بهذه الطريقة العنفية من الغضب المنفلت؛ فسوف لا تتحقق المطالبة بالحقوق المشروعة ولا ترجع الى أصحابها فقط.. بل ربما تضيّع حقوقاً أخرى.
أقرأ ايضاً
- مجالس المحافظات بين الإيجابيات والسلبيات
- التفكير الإيجابي بنسخته الاصيلة عن خاتم النبيين (ص)
- الـــدورُ الإيجابي للعشيرة