بقلم | هشام الهاشمي
حتى مطلع عام 2014 في غرب العراق، كانت مفارز تنظيم داعش تتنقل بحرية وعلنية على طول الشريط الحدودي بين العراق وسوريا وفي عمق بادية البعاج وصحراء الحضر وشمال نهر الفرات وصولا الى الفلُّوجة، بدأت هذه المفارز بأختراق الانبار وخاصة مناطق الجزيرة وبالذات منطقتي البوعبيد والبوبالي، من خلال اختراقها لخيم الاعتصامات والاحتجاجات من الفترة نهاية 2012 الى بداية 2014، التي كان هدفها الأساسي والوحيد: صناعة اكثرية غاضبة ومتمردة على حكومة بغداد لأسباب أبرزها التهميش والاستبداد السيّاسي، وعلى مدار عام ونيف، حاولت مفارز داعش في جزيرة الخالدية ومركز الفلوجة والفلاحات والحلابسة والصقلاوية والكرمة، أن تعزز نفوذها وتسيطر على خطبة الجمعة في المساجد وتتصل بشكل مباشر بالعناصر الأمنية من خلال قرابات عشائرية وعائلية وتتبع ذلك موجة من الاغتيالات والخطف والتصفيات والاقتحامات، لكن السيطرة الفعلية واخذ البيعات لم يتتحق لها حتى انهارت القوات الأمنية في الفلوجة واحتلت المدينة بالكامل في يوم 5 كانون الثاني,يناير 2014، حين وطدت فيها وجودها العسكري شبه كامل وزاد من قوتها قصف الطيران العراقي الذي استهداف مراكز مفارز داعش داخل الاحياء السكنية وكانت نسبة الأخطاء كبيرة.
فالطموحات الداعشية بالخلافة وارض التمكين في عين استراتيجي حجي بكر "العقيد اسماعيل الخليفاوي قتل عام 2014 في شرق سورية على يد الجيش الحر السوري" انطلقت من الفلوجة ثم الرقة وبعدها الموصل، كانت الفلوجة والقائم والموصل والرقة ودير الزور ودرعا مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاستراتيجية الخاصة للقيادة العليا لداعش وموجهة بطريقة محسوبة الخطوات بحيث كل خطوة كانت تقربهم من حلمهم " الانفصال عن القاعدة وكسر الحدود واعلان الخلافة".
وقد كان لانهيار المنظومة الأمنية والقانونية في شرق وشمال واقصى غرب الأنبار، هو المجال الذي رفع وتيرة تسلط مفارز داعش، لكن بالدرجة الأهم بالنسبة لقيادة داعش كانت رغبتهم الجشعة في السيطرة على المنافذ الحدودية والتقرب من المخازن العسكرية وجمع الاتاوت من قطع الطريق الدولي، وقد كانت هذه الخطوة ذا عائد مالي كبير قد يفوق جميع الأتاوات التي كانت تؤخذ من المقاولين وشركات النقل وصهاريج النفط في محافظة نينوى وخاصة مناطق الغربية والجنوبية منها.
وبالتالي صدم اهالي الأنبار بعد مضي اربعة شهور، لم يطرأ شيء جديد، حين عين ولاة على الأنبار من أهلها ممن في انفسهم الغل والكراهية بسبب هزيمتهم ايام القاعدة؛ ابو عبدالرحمن البيلاوي واليا للانبار "قتل في نينوى في حزيران 2014 على يد الشرطة الاتحادية" ومن بعده ابو احمد العلواني" قتل في ظروف غامضة في صلاح الدين عام 2015" وخلفه سعد الخالدة العبيدي "قتل عام 2016" وبدأت مرحلة جديدة من بدايات التوحش الفقهي الداعشي، وفُرضت الحسبة ولجان التحقيقات ومجالس القضاء وبدأت الاحكام المتشددة تنفذ بشكل يومية ولمحاكمات صورية قد لا تتجاوز بضعة دقائق، واخذوا الناس بالشبهة وسوء الظن، وتدعمهم طبقة من الائمة والخطباء والمفتين غالبهم من طلاب العلم الشرعي البسطاء والذين كانوا يديرون العملية التحقيقة والقضاء وخاصة الحكم بالحدود والتعزيرات والديات.
وقد استندت استراتيجية قادة داعش على اتخاذ الفلُّوجة مركز انطلاق وبالتالي اعتمدت على فرضية قبول توبة الموظفين الحكومين واستعمالهم بعد اعلان بيعتهم، وعلى فرضية قبول عادات وتقاليد اهل المدن في الأنبار ومحاولة دمجها مع بنية داعش الدينية قدر الامكان وتخفيف المعاقبة على البدع الصوفيّة.
لعب مسؤولو جباية الزكاة والغرامات والضرائب التابعون لملف الإدارة والمالية على توفير ثروات مالية كبيرة خاصة من الأموال المصادرة "غنائم المرتدين".
هذا الملف سبب لأمنية تنظيم داعش الصداع فالجباة كانوا اكثر مرونة مع اقاربهم واكثر شدة مع الاخرين، واصبحوا محل شك من حيث ولاؤهم واخلاصهم للحكام الدينية التي تؤمن بها الهيئات الشرعية الداعشية.
كل ذلك أنتج كتلة فاسدة ويصعب التحكم فيها بسبب نفوذهم العشائري والاقتصادي، في هذه الفترة أقترح ابو يحيى العراقيِّ" اياد الجميلي قتل نهاية عام 2017" على قيادة داعش صياغة مدونة او كتيبات خاصة كتعليمات قانونية تلتزم بها طبقة الجباة وايضا يشترط في الجابي ان يكون ليس من اهالي المنطقة ولا عشائرها وكذلك زوجته، وقد كان المبرر لكتابة مثل هذه التعليمات المتشددة مبنيا على الدعوى بأن هذه الفئة فاسدة ومتعنصرة غير منظمة وغير متسقة وتتسم عقوباتها في الغالب بكونها مزاجية واعتباطية.
وبحسب الوثائق التي عثر عليها في الصقلاوية بعد تحريرها عام 2016، فأن اللجنة المفوّضة لتنظيم داعش كانت شديدة الأعجاب بمقترح ابو يحيى العراقيِّ، وسرعان ما أوكل إليه إدارة فرع العِراق، وكان الغرض المباشر من هذا التغيير هو إتاحة الفرصة لمعاقبة الجباة الفاسدين وقد شهدت فترة شباط,فبراير عام 2015 عمليات اقامة حدود على الجباة وقد نجح البعض منهم من الفرار الى تركيا وكردستان العراق.
لقد كان هناك ثلاثة أبعاد على الأقل لهذه العقوبات؛
1-من خلال هذه العقوبات تخلصت اللجنة المفوّضة من الجباة الفاسدين ومصادرة أموالهم، وايضا ترهيب الخطباء والائمة وعناصر الحسبة من الوعاظ والمفتين والقضاة الذين كانوا يعملون في هذا الملف وشكلوا عموده الفقري.
2-تم تحويل ملف الجباية بالتدريج الى ملف ديوان المالية المركزي، حيث تم استبدالهم بعناصر عملت في ديوان الجند والأمن ممن له ولاء واضح لعقيدة "دولة الخلافة".
3-كانت داعش بحسب الوثائق التي عثر عليها في بيت ابو سياف التونسي " مسؤول ملف الجباية والمالية والاستثمار في داعش قتل عام 2015 في شرق سورية" تؤكد انها تتجه الى التمويل الذاتي وايضا هي بحاجة ماسة الى جباية الاتاوات كاملة ولا يذهب جزءا منها بسبب الفساد، وهي تحضّر لعملية اخراج ملايين الدولارات خارج ارض العراق وسوريا وليبيا من أجل تشغيلها واستثمارها والانتفاع منها وقت هزيمتهم في معارك ارض التمكين.
الخلاصة الهامة؛ أن اغلبية الجباة او من عمل في هذا الملف كُشفَت اسمائهم بحسب الوثائق التي عثر عليها بعد عمليات تحرير غرب العراق، فعديدهم بين45-50 عنصرا وبصفات مختلفة، هؤلاء يمتلكون اسرارا كبيرة عن استثمارات داعش داخل العراق وخارجه وعن الصيرفات ومراكز التحويل المالي وعن الوسطاء وشركات النقليات التابعة لهم والمتعاون معهم بقصد، وسعاة البريد وايضا الامانات واماكن تواجدها.
أقرأ ايضاً
- لولا السلاح (الفلاني) لما تحقق النصر على داعش في العراق
- مَن يرعى داعش في العراق؟
- علاوي يكشف لأول مرة مجموعة من الاسرار بشأن داعش