- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قراءة انطباعية في كتاب (مفاهيم قرآنية)
حجم النص
بقلم:علي حسين الخباز من خاصية أي انفتاح تأويلي أن يمنح متلقيه تعددية القراءات، وهذه الخاصية تمتلك مرونة التحول لمعاصرة كل مدة زمنية وبقعة مكانية.. ويرى الأستاذ (علي البدري) في كتابه (مفاهيم قرآنية رؤيا معاصرة): إن القرآن الكريم نزل بقدرة المطلق، ومفاهيمنا البحثية هي مفاهيم معدة بقدرتنا نحن.. والرؤيا قراءة إجرائية تعبر عن وجهة نظر، شكلتها مقاطع لعناوين مختلفة متنوعة، كل مقطع يحمل عنواناً ثانوياً، وتصب جميعها في مورد واحد.. ولتكون هذه الرؤيا المعاصرة، اقترن الواقع القرآني بمفاهيم التحدي والمعارضة؛ لما يمتلك من دلائل إعجازية يحملها نبيّ أمّيّ، فتحدى أهل البيان -وهم الذين مارسوا أجناساً قولية وفنوناً كلامية-؛ لامتلاكه أبعاداً روحية تحتوي على طاقة إبداعية أكبر من المقدرة الإنسانية. وتناول الباحث (علي البدري) عوامل بناء الفرد والمجتمع، وبناء نظم اجتماعية تأخذ علاقة الإنسان بالله وبنفسه والآخرين، وفي مقاربة تكوينية نجد أن هذا الإعجاز تمحور حول عدة محاور، ومنها: أخبار الماضي(البعيد - القريب)، وأخبار الغيب من استباقية أحداث والتنبؤ بها، أو الحديث عن عوالم البرزخ، وكلها تصب في صالح حياة الإنسان ومراعاة ظرفه في كل حين: كاستثناءات الصوم للمسافر والمريض. ومما يميز الوجود الإلهي هو الإدراك العميق بالحاجة إليه، وعدم إمكانية الاستغناء عن وجود الله؛ لكوننا قائمون بقدرته تعالى، وتتعمق العلاقة بنوعية الاحتواء النادر، حيث لا تسعه السموات والأرض، لكن يسعه قلب المؤمن سبحانه، وهو الراعي والمتكفل برعاية وعناية كل الخلائق. حاول المؤلف الارتكاز على هذه التنوعات الموضوعية؛ ليمنح البحث قدرة فائقة على الاستقصاء المضموني المؤثر، ولجأ في بعض قنواته المتنوعة إلى التعريفية لخلق المقاربة وتبسيط المعاني، حساباً لضمان عملية التلقي كتعريف العقل، إذ فسرها لغة بالمنع، ومنح الدماغ السيطرة المركزية وسيلة جمع معلومات الحواس وتصديرها أوامر إلى الجهاز التنفيذي (الجسد)؛ فالعقل الجوهر، ويطلق عليه أحياناً (القلب). هذه القنوات تمنح البحث ضمنية دائمة للتلقي؛ لامتلاكه المؤثر الذي يساهم في تقديم ماهية الرؤيا المعاصرة، فالقلب هو من يسن القوانين، وأحياناً يعارض العقل، فنجده يفعل ما يستنكره على غيره. ونقف متأملين بعض الانتقاءات المهمة الواردة عبر هذه الروافد، قال رسول الله (ص): (يا علي إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها). وكشف المؤلف عن رؤيا فاعلة عبر هذا الاستشهاد، إذ يرى أن سعة الوعاء من مسؤولية العبد، ولذلك نجد أن بعض أعمال الخير تتدخل في تغيير بعض الثوابت: كإطالة العمر، وسعة الرزق.. وفي رؤيا أخرى يمتد أفق التفسير إلى قوله تعالى: (وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء)، ويشاء تعني المخلوق أي يشمل الله برحمته من يشاء الرحمة، ويسعى لها من الناس بإخلاص ونوايا سليمة. وعمل المؤلف (البدري) على انتقاء الروافد المهمة، فقدم لنا النبي محمد(ص) وهو الأوسع قلباً لاستقبال المفاهيم السماوية، وهو النموذج العملي لتلك النظريات التطبيقي الأكمل صاحب العصمة، القدوة الخيرة، يتنامى البحث في قدرة واضحة للولوج إلى تعمق الرؤيا عبر مفاهيم مهمة، تقرب لنا قراءة الدين باعتباره سلسلة من المعارف العلمية والعملية، والتي تشكل الاعتقادات. ويرى المنحى الدلالي للإثابة التي تعني وجود الاختيار، كما يذهب في موضوعة الاعتدال إلى مغزى قول أمير المؤمنين (ع): (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)، ثم أخذنا إلى استكشاف مفهومي لبعض المفردات القرآنية، فيرى أن مجيء الحياة نكرة في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)، ولم يعرفها سبحانه تعالى ليعني أي حياة شريطة أن تكون مميزة، بينما نجد أن ثنائية (الموت - الحياة) لها معان فهمية متنوعة؛ فمنهم من يعرف الحياة بأنها القرب من رحمة الله، وبعضهم يراها الرخاء، ومفهوم الموت هو أن يعيش الإنسان بدون إرادة. وتركيز خصوصية الحياة للشهداء هي الإطلاع على أحوال الدنيا، كما ورد في زيارة أمير المؤمنين(ع): (إنك تسمع كلامي وتشهد مقامي). وتقودنا مثل هذه القراءات المعرفية إلى تبني بعض التفسيرات المهمة: كالحرية، الحرية المنطقية التي تواجه حرية الانفلات القانوني، ففي الإسلام تأخذ معنى العبودية المخلصة لله سبحانه تعالى، ومفهوم الابتلاءات التي يراها من نتائج الابتعاد عن ركن الله، ومفهوم الصبر الذي يعني الصبر على العسر وتحمل اليسر، والسعادة في الإسلام رؤيا تضحوية لإقامة أبدية، وكونت مثل هذه الروافد رؤيا البدري المعاصرة.
أقرأ ايضاً
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي
- الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف
- قراءةٌ في مقال السفيرة الأميركيَّة