- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي
بقلم: عماد علو الربيعي
البحر الأحمر بحر داخلي عربي يقع بين قارتي آسيا وإِفريقيا، عرف عند العرب ببحر القُلزم وعند اليونان والروم بالبحر الأحمرRubrum Mare والبحر الأريتري Aerethris Mare، واكتسب اسمه من لون بعض المرجانيات التي تضفي على الماء اللون الأحمر أو بسبب تجمع نباتات طحلبية بحرية أزهارها تلوّن الماء بالأحمر المائل إِلى البني.
ويقع المسطح المائي للبحر الأحمر بين السواحل الغربية لشبه الجزيرة العربية وأفريقيا. وتطل عليه كل من المملكة العربية السعودية ومصر والسودان واليمن والمملكة الأردنية الهاشمية وأرتيريا وجيبوتي وفلسطين، حيث يبلغ طوله 1900 كم ويصل عرضه في بعض المناطق إلى 300 كم ويتصل البحر الحمر من الجنوب بالمحيط الهندي عن طريق باب المندب، ويمتد شمالاً حتى يصل إلى شبة جزيرة سيناء، وهناك يتفرع إلى خليج العقبة وخليج السويس، ويبلغ طول الأول 180 كم وعرضه 15-28 كم أما عمقه فلا يتجاوز 1828 م.
ويبلغ طول خليج السويس 325 كم وعرضه 15- 46 كم ولا يتجاوز عمقه 80م. ويرتبط هذا الخليج بقناة السويس، التي تصل بين البحرين الأحمر والمتوسط. وفي البحر الاحمر جزر أهمها أرخبيل سواكن وفرسان ودهلك. ومما زاد في أهمية البحر الاحمر، بوصفه واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم، ازدياد أهمية نفط الخليج العربي بسبب تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية. ومن هنا تزيد أهميته الاستراتيجية الاقتصادية والأمنية والعسكرية. وهو ما سنلقي الضوء عليه في هذه المقالة.
الأهمية الاستراتيجية
يتميز البحر الأحمر بموقعه كممر مائي يربط بين العديد من القارات، وهو بذلك يقتصر الوقت والمسافات والكلفة المالية، مما يجعله يتمتع بالعديد من المميزات الاستراتيجية، فهو قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة ومن أهم ممرات النقل والمعابر على الطريق البحرية بين بلدان أوربية والبحر المتوسط، وعالم المحيط الهندي وشرقي أفريقيا. وتكمن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية أيضاً، في مجموعة من العوامل المتداخلة الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية، فهو يعد أقصر الطرق للنقل البحري بين الشمال والجنوب، ويؤدي دوراً مؤثراً على اقتصاديات الدول والشعوب المطلة عليه، كما هو الحال بالنسبة لدول جنوب شرق اسيا والدول الأوربية، إضافة إلى دوره كناقل للنفط الخليجي، ومنفذ للتبادل التجاري للدول المشاطئة عليه، والبعض منها لا تملك غيره ليربطها بالعالم بحرياً كالسودان والأردن وجيبوتي، كذلك يعتبر الممر مهماً لكل من العراق والكويت والبحرين وقطر وعمان ، حيث تتأثر الملاحة في قناة السويس بأية مشكلة تحدث في البحر الأحمر ومضيق باب المندب لأنهما يعتبران إمتداداً لقناة السويس.
الأهمية العسكرية
تصاعدت الأهمية العسكرية للبحر الأحمر منذ حرب عام 1973، عندما أغلقت مصر واليمن مضيق باب المندب في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، قررت أميركا تأسيس قاعدة لها في جيبوتي عام 2002، للانطلاق منها في حربها على ما يسمى الإرهاب، اطلقت عليها تسمية "فرقة العمل المشتركة للقرن الأفريقي (CJTF-HOA)"، وفي عام 2008 اندمجت هذه القوات ضمن القيادة الأمريكية لأفريقيا (أفريكوم)، وتحول معسكر ليمونيرLemonnier وهو مقر سابق للجيش الفرنسي في جيبوتي إلى القاعدة العسكرية الدائمة الوحيدة للولايات المتحدة في أفريقيا.
وتمثل جيبوتي الآن المحور اللوجيستي الرئيسي للولايات المتحدة والعمليات المتحالفة معها في شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وهي منصة لإطلاق ومراقبة هجمات الطائرات بدون طيار، وكذلك مركز لمكافحة القرصنة وغيرها من العمليات المتعددة الجنسيات في الإقليم. وسرعان ما قامت دول عديدة أخرى مثل فرنسا وإسبانيا واليابان وإيطاليا والصين وتركيا والإمارات وإسرائيل، وكذلك المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، بإنشاء قواعد عسكرية لها في جيبوتي والصومال والسودان وارتيريا.
ومن الجدير بالذكر أن البحر الأحمر شهد اطلاق صواريخ تماهوك وكروز من البوارج الامريكية ضد العراق ابان الحروب الامريكية ضد العراق. ومنذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة اثر عملية (طوفان الأقصى) التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل، اتجهت الأنظار الى البحر الاحمر بعد أن أعلنت حركة انصار الله الحوثية في اليمن أنها سوف تستهدف السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة الى إسرائيل التي تعبر مضيق باب المندب، مما دفع معظم شركات النقل البحري الى تغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، هربا من أية هجمات قد تتعرض لها، مما يعني كلفة نقل أكبر، وفترة تسليم أطول.
كل ذلك أدى لأن تقوم الولايات المتحدة الامريكية بإرسال مجموعة هجومية بقيادة حاملة الطائرات دوايت دي أيزنهاور من الخليج العربي، إلى مضيق باب المندب في البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن، بالإضافة الى مجموعة مدمرات حاملة للصواريخ من طراز (Arleigh Burke) تقودها المدمرة (USS Carney) التي أسقطت 14 طائرة بدون طيار للحوثيين لدعم عملية (حارس الازدهار).
كما قامت واشنطن بتفعيل تحالفات بحرية متعددة الجنسيات سبق أن شكلتها في المنطقة، مثل التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية: ويعرف أيضًا باسم "التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية" (The International Maritime Security Construct (IMSC"، وقد بدأ عمله فعليًّا في (نوفمبر 2019)، ومقره البحرين، وكذلك تقود الولايات المتحدة الامريكية البعثة الاوربية المشتركة للمراقبة البحرية في مضيق هرمز (EMASOH) European-led maritime surveillance mission in the Strait of Hormuz. و "قوة المهام 153 التابعة لها".
الخاتمة
ان الوجود العسكري والبحري الدولي المتزايد في منطقة البحر الأحمر يجعل من تصاعد احتمالات كبيرة لتقويض التوازنات العسكرية في شرق افريقيا وكذلك في منطقة الخليج العربي، خصوصاً مع صعود وبروز القوة العسكرية والبحرية الإيرانية، ليس فقط في منطقة الخليج بل في منطقة البحر العربي والبحر الأحمر.
الأمر الذي يدفع بشكل أو بآخر الى احتمالات قوية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية لدول منطقة البحر الأحمر سواء المطلة على ضفته الشرقية أو الغربية، مما يجذب العديد من الفاعلين الدوليين الذين يجدون أن هذه التطورات تحمل فرصا حقيقية لتدعيم مصالحهم، ويسعى هؤلاء للبحث عن مواقع داخل الإقليم أو في جواره الجغرافي؛ خصوصاً وأن دول إقليم البحر الأحمر، ذات مصالح أقل من الإقليمية، مما يجعل من الصعب إنشاء نظام فعال للأمن الجماعي.
أقرأ ايضاً
- البعد السياسي ليوم الغدير
- الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف
- قراءةٌ في مقال السفيرة الأميركيَّة