حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ لم تكن الضربة الصاروخية الامريكية لسوريا اول قراءة استراتيجية امريكية خاطئة للمشهد السوري كما لم تكن اول انزلاق للولايات المتحدة في مستنقع هذا المشهد فقد سبق لإدارة الرئيس الديمقراطي السابق اوباما ان جذّرت الخطأ الاستراتيجي ذاته الذي وقع فيه سلفه الجمهوري ترامب وذلك بتغيير بوصلة الجهود المناوئة للإرهاب من تطهير الشرق الاوسط تطهيرا كاملا من الفصائل الارهابية خدمة للأمن العالمي ومنه الامن القومي الامريكي ، الى وجهة اخرى وهي اتخاذ اسقاط نظام الاسد هدفا اعلى لها وتناغما مع سياسات حلفاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة واخصّ بعض دول الخليج وتركيا واسرائيل و تماشيا مع مصالح حلفائها السيا ـ طائفية ودون الالتفات الى ان وجود هذه الفصائل وفي اية بقعة يشكل خطرا شاملا ليس على الامن القومي الامريكي والاوربي فحسب بل هو خطر شامل يعرّض امن العالم كله الى تهديد وهذا ما يحصل الان وفي كل بقاع العالم. التخبط الاستراتيجي الامريكي بدأ من حزمة "الوعود" التي اطلقها الرئيس ترامب في حملته الانتخابية او في حفل تنصيبه رئيسا ولم ينتهِ بسلسلة الاهداف التي توخاها مؤخرا (والحبل علجرار) ومنها ان اسقاط الرئيس الاسد لم يعد اولوية للولايات المتحدة فالأولوية هي مناوئة التنظيمات الارهابية المتوحشة وفي خضم هذا التخبّط اتت الضربة الصاروخية الامريكية لتدمير مطار الشعيرات العسكري (طياس)، جنوب شرقي مدينة حمص، وسط سوريا والذي يُشك انه اتُخذ لضرب الشعب السوري الاعزل ما ادى الى سقوط ضحايا مدنيين منهم اطفال بحسب التفسير الامريكي للحدث وبدون اجراء اي تحقيق دولي بهذا الشأن او تقديم اي دليل من قبل اية جهة فنية مختصة.وهو اول عمل خارجي مسلح تقوم به ادارة امريكية منذ انتهاء ولاية الجمهوري جورج دبليو بوش الابن ، الذي عُرف بنشاطاته الخارجية المسلحة كان اسقاط نظام صدام حسين اهمها . الضربة الامريكية وبحسب الرؤية الروسية انها لم تكن عن دليل كافٍ لإجرائها فلم يثبت وجود اسلحة كيميائية في قاعدة الشعيرات الجوية واعتبرتها ضربة في الصميم لجميع الجهود التي تقوم بها روسيا وحلفاؤها في مكافحة الارهاب وجاء رد الفعل الروسي قلقا يشوبه الحذر مع عدم الرد الميداني المباشر مع ضبط النفس بدرجة قصوى خشية الانزلاق في حرب مدمرة، فقد قامت روسيا بتجميد العمل باتفاق سلامة الطيران المبرمة مع الولايات المتحدة وطلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي لبحث التداعيات المترتبة عنها كرد فعل يمتصّ "غضب" روسيا. فيما ابدت بغداد قلقها الشديد ليس لكونها عضوا في الخلية الاستخباراتية الرباعية بل لكون الضربة ستعقّد المشهد السوري وستضع عراقيل ومطبّات امام اي خارطة طريق لتسوية الازمة السورية او ان هذه الضربة قد تؤثر سلبا على المشروع العراقي السوري في مكافحة الارهاب وقد تجهض اي مشروع مستقبلي لمفاوضات جادة لحلحلة هذه الازمة مما سيزيد من معاناة الشعب السوري وسيهرق المزيد من الدماء. تتجلّى مقاربات التخبط الأمريكي في: 1. ان الولايات المتحدة وجهّت ضربتها الصاروخية دون التأكد من هو الفاعل الحقيقي لمعاقبته سواء أكان النظام وهل هو قادر فنيا ولوجستيا على ذلك وماهي مصلحته ؟ وهذه ليست المرة الاولى التي يُتهّم فيها النظام السوري بهذا العمل ودون دليل ام هي الفصائل التي تقاتله على الارض والتي تسمى مجازا بالمعارضة وهي فصائل مدعومة اقليميا وتقاتل نيابة عن داعمين وممولين اقليميين لهم اجنداتهم السيا/ طائفية وامكاناتهم اللوجستية والتكتيكية الهائلة في فعل اي شيء محرّم دوليا ولاتخلو هي الاخرى من الاتهام وان كان السجل الحقوقي للنظام يشجع على ذلك ايضا. 2. ان العالم ومعه القوى الكبرى (الولايات المتحدة ايضا) باتوا يريدون التوصّل الى الحل السياسي للازمة السورية وتقبّل فكرة دور الاسد في مستقبل سوريا (رغم تحفّظ بعض الفصائل المناوئة) فبعد ايام قلائل من تأكيد مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة بان إزاحة الاسد لم تعد اولوية لبلادها استبشر العالم خيرا ولكن سرعان ماتبددّت الفرحة حينما بررّت ذات المندوبة ومن ذات المنبر تلك الضربة: (اننا ومن مصلحة امننا القومي يجب منع انتشار واستخدام الاسلحة الكيمياوية) في اشارة الى الاسد وتلميح الى عودة المطالبة برحيله وراحت تكرر ذات "بكائيات" الرئيس ترامب بُعيد الضربة على ارواح المدنيين الذين سقطوا بالهجوم الكيمياوي وبتعابير جنائزية مستهلكة . 3. الترحيب بالضربة جاء من الائتلاف الوطني لقوى "المعارضة" السورية والذي دعا الى تقويض قدرات الاسد، والذي لم يتوان عن ضرب القوات الحكومية تزامنا مع تلك الضربة، ومن السعودية التي كشفت عن مشروعها القديم في هذا البلد، ومن إسرائيل التي اعتبرت الضربة مقدمة لضرب جهات اخرى كحزب الله . بعض الخبراء الاستراتيجيين يفسر بان هذه الضربة حملت اكثر من رسائل مزدوجة في وقت واحد كانت كوريا الشمالية هي المعنية بالدرجة الاساس ولعرض العضلات لتخويف الرئيس (كيم جون اون) المستفزّ لهيبة الولايات المتحدة وتحديّه المستمرّ لها، كما جاءت لكسر شوكة روسيا الحليف الرئيس للنظام السوري وبعد النجاحات العسكرية التي حققها الجيش السوري بواسطة الدعم الروسي المباشر يضاف اليها تحجيم الدور الذي تلعبه ايران وهي الحليف الاستراتيجي الثاني لنظام الاسد ولإيقاف نفوذهما الممتد الى سواحل البحر المتوسط فقد احرجت الضربة حلفاء الاسد وجعلتهم في موقع المتحيّر والمتردّد في الردّ العاجل او السكوت على مضض، خاصة وان ملامح سايكلوجية الرئيس ترامب المثيرة للجدل لم تتضح بأكملها ليتّم الرد على ضوئها، ناهيك عن شعاره المركزي (امريكا اولا) فهو شعار فضفاض قد يعيد الى الاذهان حقبة الحرب الباردة ويجرّ الاخرين الى هذه الحرب المحسومة سلفا للولايات المتحدة. ان الرسالة التي وجهّها الجمهوري ترامب تدلّ على ان الولايات المتحدة غير جادة في استقرار الشرق الاوسط او في اي مكان آخر من العالم ومازالت تريد ان تلعب دور القطب الاحد ولامكان لأية قوة اخرى على رقعة الشطرنج العالمية، واعتقد ان الـ (59) صاروخا من طراز توماهوك كانت اول رسالة يبعثها ترامب كتجسيد عملي لشعاره الشعبوي الذي رفعه إبان حملته الانتخابية (امريكا اولا)، فهل تعيد التوماهوك هيبة امريكا ؟ قد يكون الجواب على شكل فيتنام ثانية . كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- المجتهدون مواقف وقيادة
- حماية البيانات الشخصيَّة
- الجنائيَّة الدوليَّة وتحديات مواجهة جرائم الكيان الصهيوني