- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل ستبقى الموصل عراقية اذا غادرها المسيحيون؟
حجم النص
بقلم:رزاق عبود مرة اخرى يصبح مسيحيي الموصل، مثل كل مسيحيي العراق ضحايا القمع، والتشريد، والتهجير، والتقتيل، وكل انواع العسف، والتمييز، والاضطهاد. ففي كل حقبة من تاريخ العراق الحديث يتعرض هذا المكون الاصيل الى المذابح، والمجازر.قام بكر صدقي في بداية القرن الماضي، بذبح الالاف منهم. متبعا نهج اسياده القدامي العثمانيون، ونصائح اسياده الجدد البريطانيون. النظام الملكي العميل لبريطانيا اعدم قادة الحزب الشيوعي العراقي وعلى رأسهم المسيحي يوسف سلمان فهد. بعد مؤامرة الشواف على ثورة14 تموز تعرض مسيحيي الموصل للاغتيالات، والمضايقات، والترويع، والتهديد من قبل القوى القومية المتأمرة على ثورة 14 تموز، والحاقدين على المسيحيين بسبب تأييدهم العام للثورة، فهرب الكثير منهم من الموصل الى مختلف مدن العراق، خاصة بغداد والبصرة. بعد هروب الطيار العراقي الى اسرائيل حرم بقية المسيحيين من دخول الكليات العسكرية، وتعرضوا لمضايقات، وتهميش، واقصاء، وايذاء. تحت حكم صدام، وبعده اخذوا بجريرة طارق عزيز، وكأن كل مسيحي هو طارق عزيز، مع ان سجون، ومعتقلات صدام، وساحات اعدامه عجت بالمسيحيين من مناضلي القوى الوطنية، وتوزعتهم المنافي كغيرهم من العراقيين. بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 تعرض المسيحيين، ورجال دينهم الى المضايقات، والقتل، والاختطاف، والاغتيال، وحرقت، وهدمت بيوتهم، وكنائسهم، واديرتهم من قبل ارهابيي القاعدة، والميليشات الاسلامية التابعة للحكام الجدد. ترك مئات الالوف منهم، مضطرين، ارض الاباء، والاجداد، وتوزعوا في كل قارات العالم، وهم يحملون العراق في قلوبهم. ويستمر عذاب المسيحيين العراقيين، كأنه حكم عليهم ان يواصلوا مسيرة العذاب، والالام، التي سارها المسيح حاملا صليبه. يصلب المسيحيون في العراق كل يوم، مثل مسيحهم، وبتواطئ الحكام العراقيين، وحكام الاقليم القوميين. كلاهما يتاجران بمصائب المسيحيين لاذلالهم، واخضاعهم، واجبارهم على الرضوخ لمشاريعهم. فحكام الاقليم القوميين المتعصبين يريدون اجبارالمسيحيين على ضم سهل نينوى الى "كردستان"، وتغيير هويتهم من مسيحيين عراقيين، اهل البلد الاصليين، الى "اقلية كردستانية". حكام بغداد يريدوهم، ان يقدموا الطاعة كاملة، ويجبروا المسيحيين على طلب حمايتهم ك"ذميين" كمواطنين من الدرجة الثانية، او الثالثة، وليس كابناء البلد الاصليين. يعاملون كحال الهنود الحمر في امريكا، او سكان استراليا الاصليين. الكل يتبجح بانه "ابن الرافدين" ويتفاخر باثار بابل، وحضارة اشور، ومجد نمرود، وعظمة نينوى، ويتناسون، ان احفاد بابل، والوركاء، واشور، والنمرود، واحفاد الذين لازالت اثار قبورهم، واديرتهم، ومدنهم تملأ اراضي الكوفة، والنجف، وكربلاء، والحيرة، والخضر، وغيرها، لايجدون ملاذا امنا في بلد اجدادهم. فهم فيه لاجئين، مهجرين، مطاردين، او مجرد رعايا، او جالية. نتباهى بحضارتهم القديمة، ونتجاهل حاضرهم المريع. لماذا لا تتحرك قوات البيشمرگة للدفاع عنهم؟ اليس البيشمرگة حرس حدود، وجزء من الجيش العراقي؟! فلماذا لا يحمون الحدود من تسلل الاوباش، ولا يدافع القسم "الكردي" من الجيش العراقي عن ابناء العراق؟! الم يحتل الكرد اراضيهم، وقراهم، ومدنهم، واعتبروها عواصمهم مع انها مدن اشورية؟ لماذا لم تذهب فصائل "السلام" الى الموصل للدفاع عن الكنائس التاريخية، والاثار الحضارية، وهي اقدم من مرقدي العسكريين بالاف السنين؟! لماذا لم يوجه البرزاني ميليشياته لحماية المسيحيين بدل احتلال كركوك، وسرقة نفطها، بالاتفاق مع داعش، واوامر اردوغان، الذي يرفض حقوق الشعب الكردي، ويمارس قصف القرى الكردية يوميا، ويعتقل القائد، والبطل الاسطوري للاكراد عبدالله اوجلان. لقد رد البرزاني "جميل" صدام حسين عليه عام 1996 بتسليم الموصل الى عزت الدوري خليفة صدام عام 2014. لماذا لا يرد جميل المسيحيين، الذين قاتلوا في صفوف البيشمرگة، واستشهدوا في الدفاع عن مدن وقرى "كردستان"؟! مسيحيو العراق ليسوا، فقط، ضحايا التآمر على العراق، وجرائم داعش، والقوى الطائفية، والقومية المتطرفة، بل هم في الاساس ضحايا النفاق السياسي لحكام العراق في بغداد، واربيل واستخدام مأسي، ومعاناة، ومحنة المسيحيين وسيلة لاستدرار العطف، والدعم الدوليان، وسرقة المساعدات المقدمة للاجئين من كل الانتماءات. هل يعقل، هل يقبل ان تكون اراضي الانبياء، والحضارات، والكنائس، والاديرة القديمة مفرغة من اهلها؟ اتذكر، ونحن نعيش في محلتنا المختلطة، المتصافية، المتسامحة، وبيوتها القديمة، بدأت العوائل المسيحية تنتقل الى محلة مجاورة نشأت حديثا. كانوا يبنون البيوت الجديدة هناك، وينتقلون اليها. ورغم ان شارعا واحدا فقط يفصلنا عن المحلة الجديدة، فان ابي تحسر كثيرا، عندما ودعنا اخر جار مسيحي في شارعنا قائلا، وهو ينتحب: "چا منو بقى بالمحلة بعد"؟ّ! وصعد الى غرفته مهموما، وكأن فلسطينا اخرى ضاعت. كما ضاعت اليوم الموصل، وسبي، وشرد مسيحييها في حزيران النكبات، وعراق المؤامرات. لمن تبقى الموصل، ونينوى اذا غادرها المسيحيون، وكل الهاربين من المغول الجدد؟! استدراك تاريخي: " في العام 1745 حينما كانت جحافل الشاه (طهماسب) المعروف ب (نادر شاه) تغذ السير الى المدينة لتلقي عليها الحصار قام واليها (الحاج حسين باشا الجليلي) يستنجد بالسكان ويستنهض هممهم للدفاع عنها. ولسبب ما، كان من رأي الوجهاء، والعلماء، والسكان، ان يسلموها للغازي دون قتال! فما كان من حاكمها هذا، الا ان ندب مقاتلي المسيحيين من القرى المجاورة فلبوا ندائه، وتركوا قراهم: قرقوش، برطلة، كرمليس، وغيرها ليملأوا اسوار المدينة بمواجهة اعظم ماكنة حربية جردها غاز في الشرق الاوسط منذ عهد السلطان مراد الرابع، ونجحوا في صد هذا الفاتح، الذي لم تصمد امامه تحكيمات عاصمة الهند دلهي" فهل يا ترى "يعافب" ام يكافأ احفاد اولئك المسيحيين على وقفتهم البطولية، وتضحياتهم المعمدة بالدم للحفاظ على مدينة الموصل عراقية؟! سؤال يستحق الطرح، والتفكير؟!