حجم النص
بقلم :علي حسين يوسف
يسود اعتقاد بين الناس في هذه الأيام مفاده : ان العراق لم يشهد سابقا منافسة انتخابية محمومة كما يشهدها اليوم في كافة مدنه وقصباته وقراه ، ويبدو ان لهذا الاعتقاد نصيب كبير من الصحة لا سيما اذا عرفنا بأن السنوات السابقة كشفت وبصورة لا تقبل اللبس عن الأرباح والفوائد المادية والمعنوية الكبيرة التي يجنيها المسؤول في العراق بعد فوزه بمنصب معين.
وبما ان الحدث الانتخابي الذي نمر به اليوم واقعا فرضته المتغيرات السياسية وما ترتب عليها من نتائج ترتبط بالثقافة السياسية الجديدة لذلك يمكن قراءة هذا الحدث الانتخابي قراءة سيميائية تفكيكية بغية الكشف عن الاليات المضمرة التي تحرك مفاصل الحدث للوصول الى ما سكتت عن إعلانه هذه التجربة ، من خلال وضع اليد على عدد من الفجوات والفراغات الدلالية التي يمكن ان تظهر بوضوح ان الدعاية الانتخابية في العراق اليوم تمثل خطابا ينسجم مع بنية الوعي السياسي السائد بين افراده : مرشحين وناخبين .
لقد اتخذ الخطاب الانتخابي عند الأحزاب والائتلافات والأشخاص الذين رشحوا انفسهم للفوز بمناصب عضوية مجالس المحافظات مجموعة من الطرق الاشارية منها : الكلام ، والصورة ، وتوزيع الهدايا ، واستغلال علاقات القربى والصداقات وغيرها ، لكن المتأمل يرى ان الصورة لعبت دورا كبيرا في الممارسة الانتخابية لذلك حاول المرشحون والمطابع استغلال الوظيفة الجمالية لهذه الوسيلة الانتخابية من خلال التركيز على جمالية التصوير ووضوح الملامح ونصاعة الألوان كل ذلك من اجل جذب انتباه الجمهور الناخب . وقد تجسد ذلك بصورة أوضح في صور المرشحين والمرشحات الذين حرصوا على ابراز هذه الوظيفة .
ومن جانب اخر نجد ان الخطاب الانتخابي قد صب اهتمامه على الوظيفة التوجيهية من خلال عدد من التوجيهات والاقوال المسجوعة والحكم المرفقة مع الصور مثل : منكم الصوت ومنا العمل او لا نؤمن بالأقوال بل نؤمن بالأفعال .
والملاحظ ان الخطاب الإعلاني للمرشحين قد ركز اهتمامه أيضا على مراعاة مجموعة من الاليات الخطابية التي تمثل وظائف دلالية واضحة مثل : الايجاز كقول احد المرشحين : من اجل غدا افضل ومراعاة مقتضى الحال كقول احدهم : منكم واليكم ، وقد تؤكد الدعاية الانتخابية من خلال لصق اكثر من صورة في مكان واحد او من خلال أساليب التكرار كقول احدهم : لا لا للفساد . ومن الاليات الخطابية الأخرى المدح والتمجيد كقول احد المرشحين : يصف نفسه بأنه صوت الشعب .
ويمكن ملاحظة ان الخطاب الانتخابي بصورة عامة كان يميل الى تغييب الانا الفردي والتحدث باسم الجماعة باستعمال الضمير (نحن) كذلك فقد ركز هذا الخطاب على العزف على وتر الحاجات الأساسية للمواطن لذلك كثرت الشعارات التي يدعي أصحابها ان ترشحهم جاء من اجل توفير الخدمات : الكهرباء ، السكن ، تحسين واقع المعيشي ...
وفضلا على ما تقدم فإن لطرق عرض الأسماء أهمية كبيرة في اذهان أصحاب الدعايات الانتخابية لذلك فان الغالبية العظمى من المرشحين اضافوا مع أسماؤهم القابا علمية او تشريفية او جهوية ، لذلك يندر ان نجد اسم مرشح يخلو من لفظة : السيد ، الأستاذ ، الدكتور ، المهندس ، الحقوقي ، او أبو فلان او ام فلان ، فضلا على الالقاب العشائرية ، او المناطقية ، وقد انسحب هذا الامر على محاولة اختيار أسماء طيبة للكيانات المرشحة الغرض منها اقناع الناخب بحسن النوايا .
وأخيرا يمكن القول ان خطاب الدعاية الانتخابية وظف كل تلك الاليات لتصب في خدمة الوظيفة الدلالية لتوصيل صوت المرشح للناخب و الإبلاغ عما يريده من خلال الحضور المكثف لطرق تلك الدعاية لا سيما الصورة منها ...
أقرأ ايضاً
- السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء
- تكرار أخطاء الدورات الانتخابية السابقة
- البرامج الانتخابية بين الناخب والمرشح