- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الدعاية الانتخابية وضمور الإستراتيجيات
حجم النص
بقلم عباس عبد الرزاق الصباغ
التصويت الشفاف من أهم المكتسبات التي حصل عليها الشعب العراقي بعد التغيير ويعد بحد ذاته نقلة نوعية نحو إرساء وترسيخ الديمقراطية في مجتمع حرم منها لعقود طوال اذا ما اعتبرنا ان الانتخابات (هي عملية صنع القرار التي يقوم بها الشعب باختيار فرد منهم لمنصب رسمي وهذه هي الطريقة المعتمدة التي تتبعها الديمقراطية الحديثة لملء المقاعد منها مايخص المحافظات والأقاليم) ولكن هذه النقلة كانت مفاجئة وغير مدروسة او مخطط لها اذ انتقل العراقيون في غضون فترة قصيرة من واقع ديكتاتوري مأزوم ومرير الى فضاء حرية التعبير والديمقراطية ومن الطبيعي ان تكون هكذا انتقالة لها كلفها الباهظة وأخطاؤها الفادحة قبل أن تترسخ كليا ونهائيا في صيرورة سيوسولوجية / سياسية / تاريخية مرت بها اكثر الديمقراطيات العريقة في العالم.. لذا كان من الطبيعي أن تختلف انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة عن أي بلد اخر غير العراق / بظروفه وأزماته / وتشابكات أوضاعه/ وتعقيدات مشهده في الكثير من الجوانب من ضمنها الدعاية الانتخابية.
ان الكثير من الدعايات الانتخابية التي تتعلق بانتخابات مجالس المحافظات قد اكتظت بمظاهر وظواهر ذات دلالات سيمائية زوقها الفوتوشوب وحسنها تطور وسائل الإعلان وأساليب الدعاية الحديثة رغم ان الدعاية الانتخابية بالنسبة للمرشح بموجب المادة (27) من الدستور العراقي هي (حق مكفول بموجب هذا أحكام القانون تبدأ من تاريخ قبول ترشحه رسميا)..
وبعض تلك الدعايات حملت ملامح هي اقرب الى الملامح السريالية خاصة الشعارات الفضفاضة ذات الأبعاد والقياسات الهلامية في إيحاءاتها ومدلولاتها وتشير الى مفاهيم ربما تبدو اكبر من بناءاتها اللغوية وهياكلها البلاغية في منظومة برامجية قد يكون تحقيقها على الصعيد العملي مؤشرا حقيقيا على مصداقيتها او يكون عكس ذلك أي مجرد برامج انتخابية مرحلية تنتهي فاعليتها او صداها بعد انتهاء موسم الانتخابات ، فضلا عن التركيز على "مكملات" وإكسسوارات تلك الشعارات كديكورات لابد منها لإضفاء نوع من الأبهة والشخصنة الكاريزمية التي عادة ما تصاحب اغلب الانتخابات التى تجرى في دول العالم الثالث كمعيار يستقطب اكبر شريحة ممكنة من الناس ، مثل الشهادة الأكاديمية للإيحاء بـ "تكنوقراطية" المرشح وللدلالة على مستواه العلمي والثقافي (ومنه وجاهته الاجتماعية ومستواه الطبقي وانتماؤه العشائري وحيزه المناطقي وأفقه الطوائفي)....
لقد اخُتزلت جميع "الإستراتيجيات" في حال وجودها واعتمادها ، و"البرامج" المقدمة من قبل الكتل والمرشحين الى مصفوفات لغوية قابلة للتفسير والتأويل لأكثر من وجه او معنى قد تكون في بعض الأحيان بعيدة جدا عن الواقع المعاش او هي مجرد استهلاك إعلامي/ دعائي/ تعبوي مرحلي.. فقد تحولت الكثير من هذه الدعايات الى بطاقات تعريفية مقتضبة ركزت بياناتها على ما يخص المرشح فقط مع التركيز على الصورة .
ان الاستنتاجات الأولية من تلك الدعايات تدل على ان اكثر او غالبية المرشحين والقوائم الانتخابية لم يطرحوا أي رؤية نقدية او تحليلية لحيثيات المشهد العراقي بشكل عام وحيثيات واقع المحافظات التي يمثلونها بشكل خاص على كافة الأصعدة لا سيما ما يتعلق منها بشكل مباشر بالمستوى المعيشي للمواطن وأمنه فضلا عن الجوانب الاقتصادية والتجارية والصناعية والاستثمارية وخدمات البنى التحتية والمشاريع ذات الطابع الحيوي كالماء والكهرباء والسياحة وغير ذلك الكثير ..
كما لم تقدم اغلب تلك القوائم أية رؤية إستراتيجية راهنة او مستقبلية لما يخص تفاصيل الواقع المحافظاتي من جهة او الواقع العراقي من جهة اخرى كخارطة طريق توضح معالم البرامج التي يجب ان يقدمها أي مرشح او قائمة ولو كان ذلك على مستوى اقناع الجماهير لحصد الاصوات المطلوبة لتجاوز العتبة الانتخابية كحد ادنى وهو اقل ما يمكن التنظير له والعمل به تحت هامش الممارسة الديمقراطية في وقت تشير عدة استطلاعات للرأي العام على قلتها وسطحية نتائجها الى بوادر عزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم لأسباب لم تعد خافية عن الرأي العام وعن دائرة صناعة القرار ايضا ربما يكون من أهمها الشعور بعدم الرضا من الاداء المتواضع وملامح الإخفاقات في الكثير من الميادين للكثير من مجالس المحافظات لأسباب كثيرة منها ذاتية تتعلق بواقع المحافظات نفسها واخرى موضوعية تتعلق بإرهاصات الواقع العراقي نفسه واسقاطاته وانعكاساته على واقع المحافظات سلبا او ايجابا .
إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- السيستاني والقوائم الانتخابية.. ردٌ على افتراء
- تكرار أخطاء الدورات الانتخابية السابقة
- البرامج الانتخابية بين الناخب والمرشح